للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال الإمام محمد بن داوود الظاهري:

حملت جبال الحب فيك وإنني ... لأعجز عن حمل القميص وأضعف

وما الحب من حسن ولا من سماحة ... ولكنه شيء به الروح تكلف

وهذا البيت الأخير مثل قول الآخر:

وكم في الناس من حسن ولكن ... عليك لشقوتي وقع اختياري

وقد أنصف هذا العاشق لاعترافه بأن ثم من هو أحسن من محبوبه ولكن غلبة الهوى وميل النفس أوقعاه في هواه ومن أحسن ما سمعته في طلب الأوطار وركوب الأخطار قول ابن خفاجة:

لقد جبت دون الحي كل تنوفة ... يحوم بها نسر السماء على وكر

وخضت ظلام الليل يسود فحمة ... ودست عرين الليث ينظر عن جمر

وجئت ديار الحي والليل مطرق ... منمنم ثوب الأفق بالأنجم الزهر

أشيم بها برد الحديد وربما ... عثرت بأطراف المثقفة السمر

فلم ألق الأصعدة فوق لامة ... فقلت قضيب قد أظل على نهر

ولا شمت الأغرة فوق أشقر ... فقلت حباب يستدير على خمر

فسرت وقلب البرق يخفق غيرة ... ههناك وعين النجم تنظر عن هناك وشزر

قلت أنظر إلى هذه الأبيات التي أفرغت في قالب عجيب وأسلوب غريب فبينا صاحبها يصف أدهم الليل إذ مالت عليه الخيل كل الميل وبينا هو يكافح الأسود إذا به يتنهد على النهود وبيننا هو يقيم قدود الملاح مقام الرماح إذا به يقول لخدودها:

من صد عن نيرانها ... فأنا ابن قيس لا براح

قد أحسن فيها الاستعارة وساير بنظمها العالي وعددها السبعة السيارة فنظمه في النجوم ودمع المتلبي بحالته كالرجوم ومن شعره في هذا النمط ودره الداخل في هذا السقط قوله أيضاً:

وليل طرقت المالكية تحته ... أجد على حكم الشباب مزارا

فخالطت أطراف الأسنة أنجماً ... ودست بهالات البدور ديار

وقال أيضاً:

يعللني منه بوعد رشفة ... خيال له يغري بمطل وليان

شققت عليه لجة من صوارم ... عليها حباب من أسنة مران

وقال ابن بسام:

لقد صبرت على المكروه أسمعه ... من معشر فيك لولا أنت ما نطقوا

وفيك داريت قوماًلا أخلاق لهم ... لولاك ما كنت أدري أنهم خلقوا

وقال الآخر:

تهون علينا في المعالي نفوسنا ... ومن يطلب العلياء لم يعيه المهر

وقال آخر:

يغوص البحر من طلب اللآلي ... ومن طلب العلا سهر الليالي

تروم المجد ثم تنام ليلاً ... لقد أطمعت نفسك بالمحال

وقال المتنبي:

تريدين ادراك المعالي رخيصة ... ولا بدون الشهد من ابر النحل

[الباب السادس والعشرون]

طيب ذكر الحبيب

<<  <   >  >>