للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ فِيهِ فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى مَسْأَلَتِكَ أَوْ هُوَ مِثْلُهُ قَالَ: فَقُلْتُ لِمَالِكٍ أَفَيَشْتَرِي مِنْهُ طَعَامًا بِعَيْنِهِ يَدًا بِيَدٍ فَيَبْدَأُ بِكَيْلِهِ فَيَكْثُرُ ذَلِكَ وَتَغِيبُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فَيَكْتَالُهُ مِنْ الْغَدِ؟

قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِهَذَا.

قُلْتُ: وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ قَدْ حَلَّ أَوْ لَمْ يَحِلَّ مِنْ قَرْضٍ كَانَ أَوْ مِنْ بَيْعٍ أَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ سَوَاءٌ؟

قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: هُوَ سَوَاءٌ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي اشْتَرَيْت مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا بِعَيْنِهِ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ فَافْتَرَقْنَا قَبْلَ أَنْ أَقْبِضَ الثَّوْبَ مِنْهُ أَيَجُوزُ هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: الْبَيْعُ جَائِزٌ، وَلِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَأْخُذَ ثَوْبَهُ وَلَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ افْتِرَاقُهُمَا لِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ أَخْذِ ثَوْبِهِ لِأَنَّ الثَّمَنَ إلَى أَجَلٍ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ الثَّوْبَ وَيَقُولَ: لَا أَدْفَعُهُ حَتَّى آخُذَ الثَّمَنَ.

قُلْتُ: مَا فَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَابْتَاعَ بِهِ مِنْهُ سِلْعَةً بِعَيْنِهَا فَافْتَرَقَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ لِمَ كَرِهَ مَالِكٌ هَذَا وَجَوَّزَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الْأُخْرَى؟

قَالَ: لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَسْتَكْرِي الدَّابَّةَ وَالدَّارَ بِالدَّيْنِ إلَى أَجَلٍ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُمَا بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ يَرْكَبُ الدَّابَّةَ أَوْ يَسْكُنُ الدَّارَ وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْخِيَاطَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ الْأَعْمَالِ لِأَنَّ هَذَا دَيْنٌ بِدَيْنٍ.

قُلْتُ: كِرَاءُ الدَّابَّةَ وَكِرَاءُ الدَّارِ إنَّمَا هُمَا عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلِذَلِكَ كَرِهَهُ. قَالَ: لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ لِأَنَّ الْكِرَاءَ مَضْمُونٌ وَلَيْسَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ؛ أَرَأَيْتَ الْعَبْدَ الَّذِي هُوَ بِعَيْنِهِ لِمَ كَرِهَهُ مَالِكٌ وَلَعَلَّهُ لَا يَكْرَهُ الْعَبْدَ وَلَيْسَ يُشْبِهُ الْعَبْدَ الْكِرَاءُ قَالَ: الَّذِي حَفِظْنَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ فَلَا يَشْتَرِي بِهِ سِلْعَةً إلَّا سِلْعَةً يَأْخُذُهَا مَكَانَهُ وَلَا يُؤَخِّرُهَا، فَإِنْ أَخَّرَهَا فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَقَدْ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَشْتَرِي الدَّارَ الْغَائِبَةَ وَيَنْقُدُ ثَمَنَهَا وَهِيَ فِي بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهِ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الدَّارَ مَأْمُونَةٌ وَلَيْسَتْ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهَا مِنْ السِّلَعِ.

قَالَ: فَقُلْتُ لِمَالِكٍ: أَفَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ الدَّيْنُ أَيَأْخُذُ بِهِ دَارًا لَهُ غَائِبَةً؟ قَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِ، فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى مَسْأَلَتِكَ؛ وَلَقَدْ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ الدَّيْنُ فَيَأْخُذُ بِهِ مِنْهُ أَرْضًا يَزْرَعُهَا بِدَيْنِهِ ذَلِكَ وَقَدْ رُوِيَتْ؛ قَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِ فَلَيْسَ قَبْضَ آمِنٍ مِنْ الْأَرْضِ وَقَدْ كَرِهَهُ مَالِكٌ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمِمَّا يَدُلُّكَ أَيْضًا عَلَى مَسْأَلَتِكَ أَنَّ الرَّجُلَ يُسَلِّفُ فِي طَعَامٍ إلَى أَجَلٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْقُدَ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَاشْتَرَى مِنْهُ سِلْعَةً وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَقْبِضُهَا إلَّا بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ، فَهَذَا أَيْضًا

<<  <  ج: ص:  >  >>