للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاحِدَةٍ، فَمَا عَمِلَ فِي الْعَيْنِ بِكِرَاءِ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فَذَلِكَ لِرَبِّ الْأَرْضِ الَّذِي أَكْرَاهَا - لَازِمٌ، وَإِنْ زَادَ عَلَى كِرَاءِ سَنَةٍ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الدُّورُ.

قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ الْمُعَامَلَةُ فِي الشَّجَرِ إذَا سَاقَاهُ سِنِينَ مُسَمَّاةً فَاسْتَغَارَ مَاؤُهَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسَاقِي أَنْ يُنْفِقَ فِيهَا إلَّا قَدْرَ مَا يُصِيبُ صَاحِبُ الْأَرْضِ مِنْ الثَّمَرَةِ سَنَتَهُ تِلْكَ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَكْتَرِي الْأَرْضَ فَيَغُورُ مَاؤُهَا أَوْ تَنْهَدِمُ بِئْرُهَا فَيَأْبَى رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا: إنَّ لِلْمُتَكَارِي أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ كِرَاءِ سَنَتِهِ هَذِهِ عَلَى مَا أَحَبَّ رَبُّ الْأَرْضِ أَوْ كَرِهَ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ انْهَدَمَ مِنْ الدَّارِ الَّتِي اكْتَرَيْت بَيْتٌ أَكَانَ لِلْمُتَكَارِي أَنْ يَبْنِيَهُ مِنْ كِرَاءِ السَّنَةِ كَمَا وَصَفْتَ لِي؟

قَالَ: لَا.

قُلْتُ: فَإِنْ انْهَدَمَ مِنْهَا شُرَافَاتُ الدَّارِ؟

قَالَ: شُرَافَاتُ الدَّارِ لَيْسَ مِمَّا يَضُرُّ بِسُكْنَى الْمُتَكَارِي فَلَا أَرَى أَنْ يُنْفِقَ الْمُتَكَارِي عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا فَإِنْ فَعَلَ كَانَ مُتَطَوِّعًا، وَلَا شَيْءَ لَهُ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ سَقَطَتْ الدَّارُ أَوْ حَائِطٌ مِنْهَا فَانْكَشَفَتْ الدَّارُ فَقَالَ رَبُّ الدَّارِ: لَا أَبْنِيهَا، وَقَالَ الْمُتَكَارِي: وَأَنَا أَيْضًا لَا أَبْنِيهَا أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يُنَاقِضَهُ الْإِجَارَةَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنَّمَا فَرْقٌ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ يَغُورُ مَاؤُهَا وَبَيْنَ الدَّارِ تَنْهَدِمُ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ فِيهَا زَرْعُ الدَّاخِلِ وَفِي نَفَقَتِهَا إحْيَاءٌ لِزَرْعِهِ وَمَنْفَعَةٌ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ، وَكَذَلِكَ الثَّمَرَةُ فِي الْمُسَاقَاةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَنْفَقَ فِيهَا مَالَهُ، فَلِذَلِكَ كَانَ لَهُ الثَّمَرُ وَأُمِرَ بِالنَّفَقَةِ، وَإِنَّ الدَّارَ لَيْسَ لِلْمُكْتَرِي فِيهَا نَفَقَةٌ وَلَيْسَ يَرُدُّ السَّاكِنُ بِهِ مَنْفَعَةً عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ إلَّا ضَرَرًا عَلَيْهِ فِي نَفَقَتِهِ وَحَبَسَ دَارِهِ عَنْ أَسْوَاقِهَا فَهَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَ الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ الَّتِي فِيهَا الزَّرْعُ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ انْهَدَمَتْ الْعَيْنُ أَوْ الْبِئْرُ قَبْلَ أَنْ يَزْرَعَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُنْفِقَ فِيهِ كِرَاءَ سُنَّةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الدَّارِ، وَإِنَّمَا الَّذِي أَمَرَ مَالِكٌ فِيهِ بِالنَّفَقَةِ إذَا زَرَعَ وَسَقَى الْمُسَاقِي فَهَذَا وَجْهُ مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ، وَبَلَغَنِي عَنْهُ كَمَا فَسَّرْتُ لَكَ.

قَالَ سَحْنُونٌ: جَمِيعُ الرُّوَاةِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ لَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمَا فِيهِ اخْتِلَافًا.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ سَقَطَتْ الدَّارُ وَاَلَّذِي أَكْرَاهَا غَائِبٌ كَيْفَ يَصْنَعُ هَذَا الَّذِي اكْتَرَى؟ قَالَ: يَشْهَدُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>