للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ؟ قَالَ: هَذَا وَجْهُ الشَّأْنِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ سَاقَاهُ فِيهِ، فَإِنْ طَرَأَ دَيْنٌ بَعْدَ ذَلِكَ بَاعُوا النَّخْلَ عَلَى أَنَّ الْمُسَاقَاةَ كَمَا هِيَ، وَلَيْسَ هَذَا عِنْدِي اسْتِثْنَاءَ ثَمَرَةٍ. قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَقَدْ قَالَ غَيْرُهُ: لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَيَكُونُ مَوْقُوفًا، إلَّا أَنْ يَرْضَى الْعَامِلُ بِتَرْكِهَا فَيَجُوزُ بَيْعُهَا، وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا فَيَجُوزُ. قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: وَسَوَاءٌ إنْ فَلِسَ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ الْمُسَاقِي فِي الْحَائِطِ؟ قَالَ: نَعَمْ، ذَلِكَ سَوَاءٌ وَلَا تَنْتَقِضُ الْمُسَاقَاةُ. قَالَ: وَقَالَ لِي مَالِكٌ: كُلُّ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ فِي زَرْعٍ، أَوْ نَخْلٍ أَوْ أَصْلٍ يَسْقِيهِ، فَسَقَاهُ فَفَلِسَ صَاحِبُهُ، فَهُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ. وَإِنْ مَاتَ صَاحِبُ الْأَصْلِ أَوْ الزَّرْعِ فَالْمُسَاقِي فِيهِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ. قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ فِي إبِلٍ يَرْعَاهَا، أَوْ يُرْحِلُهَا، أَوْ يَعْلِفُهَا، أَوْ دَوَابَّ، فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِي الْمَوْتِ وَالتَّفْلِيسِ جَمِيعًا. وَكُلُّ ذِي صَنْعَةٍ، مِثْلِ الْخِيَاطَةِ وَالصِّيَاغَةِ وَالصِّبَاغَةِ وَمَا أَشْبَهَهُمْ مِنْ الصِّنَاعِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِمَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ الْغُرَمَاءِ فِي الْمَوْتِ وَالتَّفْلِيسِ جَمِيعًا. وَكَانَ مَنْ تُكُورِيَ عَلَى حَمْلِ مَتَاعٍ، فَحَمَلَهُ إلَى بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ، فَالْمُتَكَارِي أَحَقُّ بِمَا فِي يَدَيْهِ مِنْ الْإِبِلِ أَيْضًا فِي الْمَوْتِ وَالتَّفْلِيسِ مِنْ الْغُرَمَاءِ. قُلْتُ لِمَالِكٍ: فَالْحَوَانِيتُ يَسْتَأْجِرُهَا النَّاسُ، يَبِيعُونَ فِيهَا الْأَمْتِعَاتِ فَيُفْلِسُ مُكْتَرِيهَا، فَيَقُولُ أَرْبَابُهَا: نَحْنُ أَوْلَى بِمَا فِيهَا حَتَّى نَسْتَوْفِيَ؟ قَالَ: هُمْ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ. وَإِنَّمَا الْحَوَانِيتُ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الدَّارِ يَكْتَرِيهَا لِيَسْكُنَهَا. فَيُدْخِلُ فِيهَا مَتَاعَهُ وَرَقِيقَهُ وَعِيَالَهُ، أَفَيَكُونُ صَاحِبُ الدَّارِ أَوْلَى بِمَا فِيهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ إنْ فَلِسَ؟ قَالَ: لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّهُمْ جَمِيعًا أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ.

[مُسَاقَاةُ النَّخْلِ فِيهَا الْبَيَاضُ]

ُ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ فِي النَّخْلِ بَيَاضٌ، فَاشْتَرَطَ رَبُّ النَّخْلِ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يَزْرَعَ الْبَيَاضَ لِرَبِّ النَّخْلِ، مِنْ عِنْدِ الْعَامِلِ الْبَذْرُ وَالْعَمَلُ، وَعَلَى أَنَّ الزَّرْعَ الَّذِي يَزْرَعُ الْعَامِلُ فِي الْبَيَاضِ كُلَّهُ لِرَبِّ النَّخْلِ. أَيَجُوزُ هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟ قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ. قُلْتُ: فَإِنْ قَالَ رَبُّ النَّخْلِ لِلْعَامِلِ: خُذْ النَّخْلَ مُعَامَلَةً، عَلَى أَنْ تَزْرَعَ لِي فِي الْبَيَاضِ، وَالْبَذْرُ مِنْ عِنْدِي وَالْعَمَلُ مِنْ عِنْدِكَ عَلَى أَنَّ الزَّرْعَ كُلَّهُ لِي؟ قَالَ: لَا يَصْلُحُ هَذَا عِنْدَ مَالِكٍ. قُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَفْضَلَ عَلَى الْعَامِلِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ دَنَانِيرَ رَادَّهَا الْعَامِلُ لِرَبِّ النَّخْلِ. قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ رَبُّ الْحَائِطِ: خُذْ النَّخْلَ مُسَاقَاةً، عَلَى أَنْ تَزْرَعَ الْبَيَاضَ بَيْنَنَا، عَلَى أَنَّ الْبَذْرَ مَنْ عِنْدِكَ أَيُّهَا الْعَامِلُ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ جَائِزٌ. قَالَ مَالِكٌ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُلْغِيَ الْبَيَاضَ فَيَكُونَ لِلْعَامِلِ. قُلْتُ: لِمَ أَجَازَهُ مَالِكٌ؟ قَالَ: لِلسُّنَّةِ الَّتِي جَاءَتْ فِي خَيْبَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَلَ الْبَيَاضَ وَالسَّوَادَ عَلَى النِّصْفِ. قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: فِي خَيْبَرَ وَقُلْتُ لَهُ: أَكَانَ فِيهَا بَيَاضٌ حِينَ سَاقَاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: نَعَمْ، وَكَانَ يَسِيرًا فَلِذَلِكَ أَجَازَهُ مَالِكٌ إذَا اشْتَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يَزْرَعَ الْبَيَاضَ، وَالْبَذْرُ مِنْ عِنْدِ الْعَامِلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>