للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[جَائِحَةُ الثِّمَارِ الَّتِي قَدْ يَبِسَتْ وَاسْتُحْصِدَتْ]

قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّ مَا أَشْتَرِي مِنْ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ، بَعْدَمَا يَيْبَسُ وَيَصِيرُ زَبِيبًا أَوْ تَمْرًا وَيُسْتَجَذُّ وَيُمْكِنُ قِطَافُهُ فَلَيْسَ فِيهِ جَائِحَةٌ وَمَا بِيعَ مِنْ الْحَبِّ مِنْ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالْفُولِ وَالْعَدَسِ وَالْقُطْنِيَّةِ كُلِّهَا، وَالسِّمْسِمِ وَحَبِّ الْفُجْلِ لِلزَّيْتِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَلَيْسَ فِيهِ جَائِحَةٌ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يُبَاعُ بَعْدَ مَا يَيْبَسُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَاعَهُ فِي الْأَنْدَرِ فَلَا جَائِحَةَ فِيهِ.

وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. قُلْتُ: وَمَا بِيعَ مِنْ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ أَخْضَرَ بَعْدَ مَا طَابَ فَيَبِسَ، ثُمَّ أَصَابَتْهُ الْجَائِحَةُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا جَائِحَةَ فِيهِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا اُشْتُرِيَ وَهُوَ يَابِسٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَيْت ثَمَرَةَ نَخْلٍ قَدْ حَلَّ بَيْعُهُ، فَتَرَكْتُهُ حَتَّى طَابَ لِلْجِدَادِ وَأَمْكَنَ، ثُمَّ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ تَبْلُغُ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا؟ فَقَالَ: لَا يُوضَعُ عَنْهُ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ عِنْدَ مَالِكٍ، لِأَنَّ الْجِدَادَ قَدْ أَمْكَنَهُ. قُلْتُ: وَيَصِيرُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ اشْتَرَاهَا فِي رُءُوسِ النَّخْلِ وَقَدْ أَمْكَنَتْ لِلْجِدَادِ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي اشْتَرَى ثَمَرَةً قَدْ أَمْكَنَتْ لِلْجِدَادِ وَتَيْبَسُ فَلَا جَائِحَةَ فِي ذَلِكَ. قَالَ: وَقَالَ لِي مَالِكٌ: كُلُّ مَا اُشْتُرِيَ مِنْ الْأُصُولِ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ قَدْ طَابَتْ، مِثْلُ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَاشْتُرِيَ بِأَصْلِهِ فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَلَا جَائِحَةَ فِي ثَمَرِهِ. وَإِنَّمَا الْجَوَائِحُ إذَا اشْتَرَيْتَ الثِّمَارَ وَحْدَهَا بِغَيْرِ أُصُولِهَا

قُلْتُ: وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى رِقَابَ النَّخْلِ، وَفِيهَا ثَمَرٌ لَمْ يَطِبْ وَلَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ وَلَمْ يُؤَبَّرْ، أَوْ قَدْ أُبِّرَتْ وَقَدْ اشْتَرَطَ الْمُبْتَاعُ ثَمَرَةَ مَا قَدْ أُبِّرَ، فَأَصَابَتْ هَذِهِ الثَّمَرَةَ جَائِحَةٌ، أَيُوضَعُ عَنْهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ لِمَا أَصَابَتْ الْجَائِحَةُ مِنْ الثَّمَرَةِ شَيْءٌ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُوضَعُ عَنْهُ شَيْءٌ. قُلْتُ: فَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الَّذِي يَشْتَرِي رِقَابَ النَّخْلِ وَفِيهَا ثَمَرَةٌ لَمْ تُؤَبَّرُ فَبَلَغَتْ فَأَصَابَتْهَا جَائِحَةٌ. أَنَّهُ لَا يُوضَعُ عَنْ الْمُشْتَرِي شَيْءٌ. هَذَا وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا يُوضَعُ عَنْ الْمُشْتَرِي شَيْءٌ، لِأَنَّ الثَّمَرَةَ تَبَعٌ لِلنَّخْلِ، لِأَنَّهَا لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا. أَرَأَيْتَ كُلَّ ثَمَرَةٍ كَانَتْ تَكُونُ لِلْبَائِعِ إذَا اشْتَرَاهَا الْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُشْتَرِي، لِمَ لَا يَكُونُ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ وَيُلْغَى عَنْهُ مَا أَصَابَتْ الْجَائِحَةُ إذَا بَلَغَتْ مَا أَصَابَتْ الْجَائِحَةُ ثُلُثَ الثَّمَرَةِ؟ قَالَ: لِأَنَّ مَالِكًا جَعَلَ كُلَّ ثَمَرَةٍ اُشْتُرِيَتْ مَعَ الرِّقَابِ تَبَعًا لِلرِّقَابِ فَلَا جَائِحَةَ فِيهَا.

قَالَ: وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَكْتَرِي دَارًا وَيَشْتَرِطُ ثَمَرَةَ نَخَلَاتٍ فِيهَا، وَفِي النَّخْلِ ثَمَرَةٌ لَمْ تَطِبْ أَوْ طَلْعٌ، فَالْكِرَاءُ جَائِزٌ. وَمَا أَصَابَتْ الْجَائِحَةُ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَرِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ كُلَّهُ لَمْ يُوضَعْ عَنْ الْمُتَكَارِي قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، لِأَنَّ الثَّمَرَةَ تَبَعٌ لِلْكِرَاءِ، وَلَا يَقَعُ عَلَى الثَّمَرَةِ حِصَّةٌ مِنْ الْكِرَاءِ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ لَكَ ذَلِكَ، أَنَّ الرَّجُلَ يَشْتَرِي الْعَبْدَ وَلَهُ مَالٌ، فَيَسْتَثْنِي مَالَهُ مَعَهُ، وَلَوْ لَمْ يَسْتَثْنِهِ كَانَ لِلْبَائِعِ فَيَشْتَرِيهِ، وَيَشْتَرِطُ مَالَهُ فَيُصَابُ مَالُ الْعَبْدِ، ثُمَّ يَجِدُ بِهِ عَيْبًا أَوْ يُسْتَحَقُّ، فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ كُلِّهِ فَيَأْخُذُهُ وَلَا يُوضَعُ عَنْ الْبَائِعِ شَيْءٌ لِمَالِ الْعَبْدِ الَّذِي تَلَفَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>