للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، لِأَنَّ رَجُلَيْنِ لَوْ اشْتَرَيَا رَقِيقًا بِنَسِيئَةٍ، كَانَ شِرَاؤُهُمَا جَائِزًا وَكَانَ الرَّقِيقُ بَيْنَهُمَا. قُلْتُ: فَإِنْ اشْتَرَيَا هَذِهِ الرَّقِيقَ فِي صَفْقَةٍ بِالدَّيْنِ، عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَمِيلٌ بِمَا عَلَى صَاحِبِهِ، أَيَجُوزُ هَذَا أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ. قُلْتُ: فَمَا فَرْقُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ اللَّذَيْنِ اجْتَمَعَا فِي شِرَاءِ هَذِهِ الرَّقِيقِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَبَيْنَ اللَّذَيْنِ اشْتَرَكَا فِي شِرَاءِ الرَّقِيقِ وَبَيْعِهَا، عَلَى أَنَّهُمَا شَرِيكَانِ فِي كُلِّ مَا يَشْتَرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الرَّقِيقِ وَيَبِيعُ؟ جَوَّزْتَ الشَّرِكَةَ لِلَّذَيْنِ اجْتَمَعَا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَمْ تُجِزْهَا لِهَذَيْنِ اللَّذَيْنِ اشْتَرَكَا وَفَوَّضَ بَعْضُهُمَا إلَى بَعْضٍ؟ قَالَ: لِأَنَّ الْبَائِعَ هَاهُنَا، إنَّمَا وَقَعَتْ عُهْدَتُهُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا إذَا اشْتَرَيَا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ رَضِيَا عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَمِيلٌ ضَامِنٌ بِمَا عَلَى صَاحِبِهِ بَعْضُهُمَا عَلَى بَعْضٍ.

وَأَمَّا اللَّذَانِ فَوَّضَ بَعْضُهُمَا إلَى بَعْضٍ، فَالْبَائِعُ إنَّمَا بَاعَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يَبِعْ الْآخَرَ، وَإِنَّمَا اشْتَرَكَا هَذَانِ اللَّذَانِ تَفَاوَضَا بِالذِّمَمِ. وَلَيْسَ تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِالذِّمَمِ وَإِنَّمَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِالْأَمْوَالِ أَوْ بِالْأَعْمَالِ بِالْأَيْدِي.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَقْعَدْت رَجُلًا فِي حَانُوتِي وَقُلْت لَهُ: أَتَقَبَّلُ عَلَيْكَ الْمَتَاعَ وَتَعْمَلُ أَنْتَ، عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ فَبَيْنَنَا نِصْفَيْنِ؟ قَالَ: لَا يَجُوزُ هَذَا عِنْدَ مَالِكٍ. قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الشَّرِكَةَ بِغَيْرِ مَالٍ أَتَجُوزُ؟ قَالَ: الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ، أَنَّ الشَّرِكَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا عَلَى التَّكَافُؤِ فِي الْأَمْوَالِ، وَمَا سَمِعْتُ مِنْهُ فِي الذِّمَمِ شَيْئًا. قَالَ: وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ الشَّرِكَةَ بِالذِّمَمِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا تَصْلُحُ الشَّرِكَةُ إلَّا فِي الْمَالِ وَالْعَيْنِ وَالْعَمَلِ، وَلَا تَصْلُحُ الشَّرِكَةُ بِالذِّمَمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ شِرَاؤُهُمَا فِي سِلْعَةٍ حَاضِرَةٍ أَوْ غَائِبَةٍ، إذَا حَضَرَا جَمِيعًا الشِّرَاءَ وَكَانَ أَحَدُهُمَا حَمِيلًا بِالْآخَرِ. قُلْتُ: فَإِنْ اشْتَرَكَا بِغَيْرِ مَالٍ اشْتَرَكَا بِوُجُوهِهِمَا، عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِالدَّيْنِ وَيَبِيعَا. فَاشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سِلْعَةً عَلَى حِدَةٍ، أَيَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ مَا اشْتَرَى صَاحِبُهُ أَمْ لَا؟ قَالَ: لَا تُعْجِبُنِي هَذِهِ الشَّرِكَةُ. قُلْتُ: أَتَحْفَظُ هَذَا عَنْ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا أَقُومُ عَلَى حِفْظِهِ السَّاعَةَ، وَقَدْ أَخْبَرْتُكَ فِي أَوَّلِ مَسَائِلِ الشَّرِكَةِ بِمَا حَفِظْتُ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ عَامِرِ بْنِ مُرَّةَ الْيَحْصُبِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا فِي بِيَعٍ بِنَقْدِ أَحَدِهِمَا، قَالَ رَبِيعَةُ: لَا يَصْلُحُ هَذَا وَقَالَ اللَّيْثُ مِثْلَهُ

[فِي الصُّنَّاعِ يَشْتَرِكُونَ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوا فِي حَانُوتٍ وَاحِدٍ وَبَعْضُهُمْ أَعْمَلُ مِنْ صَاحِبِهِ]

ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الصَّبَّاغِينَ أَوْ الْخَيَّاطِينَ، إذَا اشْتَرَكُوا عَلَى أَنْ يَعْمَلُوا فِي حَانُوتٍ وَاحِدٍ، وَبَعْضُهُمْ أَفْضَلُ عَمَلًا مَنْ بَعْضٍ، أَتَجُوزُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمْ؟ قَالَ مَالِكٌ: إذَا اشْتَرَكُوا عَلَى أَنْ يَعْمَلُوا فِي حَانُوتٍ وَاحِدٍ، فَالشَّرِكَةُ جَائِزَةٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالنَّاسُ فِي الْأَعْمَالِ، لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ أَفْضَلَ عَمَلًا مِنْ بَعْضٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>