للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فِي شَرِكَةِ الْحَمَّالَيْنِ عَلَى رُءُوسِهِمَا أَوْ دَوَابِّهِمَا]

قُلْتُ: هَلْ تَجُوزُ الشَّرِكَةُ - فِي قَوْلِ مَالِكٍ - بَيْنَ الْجَمَّالِينَ وَالْبَغَّالِينَ وَالْحَمَّالِينَ عَلَى رُءُوسِهِمْ وَجَمِيعِ الْأَكْرِيَاءِ الَّذِينَ يَكْرُونَ الدَّوَابَّ؟ قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ. قُلْتُ: لِمَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؟ وَلِمَ لَا يُجْعَلُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الشَّرِكَةِ فِي عَمَلِ الْأَيْدِي؟ قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا، لَمْ يُجَوِّزْ الشَّرِكَةَ فِي عَمَلِ الْأَيْدِي إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا فِي حَانُوتٍ وَاحِدٍ، وَيَكُونَ عَمَلُهُمَا نَوْعًا وَاحِدًا، سَرَّاجَيْنِ أَوْ خَيَّاطَيْنِ، وَدَوَابُّ هَذَا تَعْمَلُ فِي نَاحِيَةٍ، وَدَوَابُّ هَذَا تَعْمَلُ فِي نَاحِيَةٍ، فَهَذَا غَيْرُ جَائِزٍ، إلَّا أَنْ يَعْمَلَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لَا يَخْتَلِفَانِ، مِثْلُ أَنْ يَتَقَبَّلَا الشَّيْءَ يَحْمِلَانِهِ جَمِيعًا، وَيَتَعَاوَنَانِ فِيهِ جَمِيعًا. أَلَا تَرَى أَيْضًا أَنَّ الشَّرِكَةَ لَا تَجُوزُ بَيْنَ أَهْلِ الصِّنَاعَاتِ إذَا كَانَتْ الْأَدَاةُ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ؟ وَلَمْ يُجَوِّزْ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمَا أَيْضًا إذَا كَانَتْ الْأَدَاةُ بَعْضُهَا مِنْ هَذَا وَبَعْضُهَا مِنْ هَذَا، إذَا كَانَتْ الْأَدَاةُ كَثِيرَةً لَهَا قِيمَةٌ مُخْتَلِفَةٌ، حَتَّى يَكُونَا شَرِيكَيْنِ فِي جَمِيعِ الْأَدَاةِ. فَتَكُونُ الْأَدَاةُ الَّتِي يَعْمَلَانِ بِهَا بَيْنَهُمَا جَمِيعًا، فَمَا ضَاعَ مِنْهَا أَوْ تَلِفَ، فَمِنْهُمَا جَمِيعًا. وَمَا سَلِمَ مِنْهَا فَمِنْهُمَا جَمِيعًا. وَإِنْ كَانَتْ الْأَدَاةُ تَافِهَةً يَسِيرَةً، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَطَاوَلَ بِهَا أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ. فَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ الشَّرِكَةَ بِالدَّوَابِّ غَيْرُ جَائِزَةٍ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الَّذِي لَا أَدَاةَ لَهُ مَنْ شَرِيكِهِ نِصْفَ الْأَدَاةِ، وَاشْتَرَكَا كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا عَلَى مِثْلِ الشَّرِكَةِ فِي الْأَرْضِ. وَقَدْ فَسَّرْتُ لَكَ ذَلِكَ.

قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَدْ رَوَى ابْنُ غَانِمٍ فِي شَرِكَةِ الْحَرْثِ عَنْ مَالِكٍ اخْتِلَافًا فِيمَا يُخْرِجَانِ مِنْ الْبَقَرِ وَالْأَدَاةِ، ذَكَرَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَكُونَ الْبَقَرُ وَالْأَدَاةُ بَيْنَهُمَا، فَتَكُونَ الْمُصِيبَةُ مِنْهُمَا جَمِيعًا. وَرَوَى غَيْرُهُ - وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ - إذَا كَانَ مَا يُخْرِجُ هَذَا مِنْ الْبَقَرِ وَالْأَدَاةِ، وَيُخْرِجُ مِنْ الْمُمْسِكِ وَالْأَرْضِ مُسْتَوِيَةً فِي كِرَائِهِ، أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ بَعْدَ أَنْ يَعْتَدِلَا فِي الزَّرِيعَةِ. قُلْتُ: فَمَا تَقُولُ فِي الدَّابَّةِ، تَكُونُ لِرَجُلٍ، فَيَأْتِيهِ رَجُلٌ فَيَسْتَأْجِرُ نِصْفَهَا، ثُمَّ يَشْتَرِكَانِ فِي الْعَمَلِ عَلَيْهَا، فَمَا أَصَابَا فَبَيْنَهُمَا؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ. وَمَا سَمِعْتُ فِي هَذَا شَيْئًا. قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ لِي بَغْلٌ وَلِصَاحِبِي بَغْلٌ، فَاشْتَرَكْنَا عَلَى الْحُمُولَةِ الَّتِي تُحْمَلُ عَلَى الْبَغْلَيْنِ؟ قَالَ: مَا أَرَى بَأْسًا إذَا كَانَا يَحْمِلَانِ جَمِيعًا. فَيَحْمِلَانِ عَلَى دَابَّتَيْهِمَا، لِأَنَّ هَذَيْنِ يَصِيرُ عَمَلُهُمَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ. وَهَذَا رَأْيِي، مِثْلُ أَنْ يَتَقَبَّلَا الشَّيْءَ يَحْمِلَانِهِ إلَى مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَا يَعْمَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ فَلَا خَيْرَ فِيهِ.

[فِي الرَّجُلَيْنِ يَشْتَرِكَانِ عَلَى أَنْ يَحْتَشَّا أَوْ يَحْتَطِبَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ دَوَابِّهِمَا]

قُلْتُ: هَلْ يَجُوزُ لِلشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَشْتَرِكَا، عَلَى أَنْ يَحْتَطِبَا الْحَطَبَ، فَمَا احْتَطَبَا مَنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؟ قَالَ: إنْ كَانَا يَعْمَلَانِ جَمِيعًا مَعًا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَا يَحْتَطِبَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ، فَمَا حَطَبَ هَذَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا وَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>