للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فِي الْمُتَفَاوِضَيْنِ يَشْتَرِي أَحَدُهُمَا لِنَفْسِهِ جَارِيَةً أَوْ طَعَامًا مِنْ الشَّرِكَةِ]

ِ قُلْتُ: فَإِنْ تَفَاوَضَا فِي شِرَاءِ التِّجَارَاتِ كُلِّهَا، بِمَالٍ اشْتَرَكَا فِيهِ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا مَالٌ دُونَ صَاحِبِهِ، فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا جَارِيَةً، فَقَالَ شَرِيكُهُ: هِيَ بَيْنِي وَبَيْنَك، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: إنَّمَا اشْتَرَيْتهَا لِنَفْسِي؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: هِيَ بَيْنَهُمَا، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، لِأَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَاهَا بِمَا فِي أَيْدِيهِمَا مِنْ الْمَالِ الَّذِي اشْتَرَكَا فِيهِ. وَلَوْ أَنَّهُ أَشْهَدَ حِينَ اشْتَرَاهَا، أَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِيهَا لِنَفْسِهِ مَا جَازَ ذَلِكَ لَهُ، وَلَكَانَ شَرِيكُهُ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ، لِأَنَّهُمَا قَدْ تَفَاوَضَا فِي جَمِيعِ مَا فِي أَيْدِيهِمَا مِمَّا يَمْلِكَانِ مِنْ أَمْوَالِهِمَا. قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ تَفَاوَضَا وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا مَالٌ دُونَ صَاحِبِهِ، ثُمَّ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا جَارِيَةً لِلْوَطْءِ أَوْ لِلْخِدْمَةِ، بِمَالٍ مِنْ شَرِكَتِهِمَا، أَتَكُونُ الْجَارِيَةُ لَهُ أَمْ تَكُونُ مِنْ الشَّرِكَةِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَاهَا بِمَالِ الشَّرِكَةِ؟ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا وَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ أَصْحَابِهِ، فِي رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا مُتَفَاوِضَيْنِ، كَانَا يَشْتَرِيَانِ الْجَوَارِيَ. فَيَشْتَرِيَانِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ، فَيَشْتَرِي هَذَا الْجَارِيَةَ فَيَطَؤُهَا، فَإِذَا بَاعَهَا رَدَّ ثَمَنَهَا فِي رَأْسِ الْمَالِ، وَيَفْعَلُ شَرِيكُهُ كَذَلِكَ، قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ فِي هَذَا. قَالَ: فَقِيلَ لِمَالِكٍ: إنَّهُ قِيلَ لَهُمَا لَا خَيْرَ فِي هَذَا، فَكَيْفَ يَفْعَلَانِ بِمَا فِي أَيْدِيهِمَا مِنْ الْجَوَارِي مِمَّا قَدْ اشْتَرَيَا عَلَى هَذَا الشِّرَاءِ؟ قَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنْ يَتَقَاوَمَاهَا فِيمَا بَيْنَهُمَا، فَإِنْ اشْتَرَاهَا الَّذِي هِيَ عِنْدَهُ، كَانَتْ عَلَيْهِ بِرَأْسِ مَالٍ قَدْ عَرَفَهُ، وَالْآخَرُ مِثْلُ ذَلِكَ، فَيَحِلُّ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَطَأَهَا.

قُلْتُ: وَلِمَ لَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي مِنْ هَذَيْنِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ، حِينَ اشْتَرَى الْجَارِيَةَ مِنْ مَالٍ هُوَ بَيْنَهُمَا اشْتَرَاهَا لِلْوَطْءِ أَوْ لِلْخِدْمَةِ، أَنْ لَا يَجْعَلَهُ مَالِكٌ غَاصِبًا لِلدَّنَانِيرِ حَتَّى اشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً لِغَيْرِ التِّجَارَةِ، وَيَجْعَلَ الْجَارِيَةَ جَارِيَتَهُ، وَيَجْعَلَ عَلَيْهِ مِثْلَ نِصْفِ تِلْكَ الدَّنَانِيرِ؟ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ دَنَانِيرَ، فَاشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً، عَلَى أَنَّ الْغَاصِبَ مِثْلَ تِلْكَ الدَّنَانِيرِ، وَلَا تَكُونُ الْجَارِيَةُ لِلَّذِي غُصِبَتْ مِنْهُ الدَّنَانِيرُ وَإِنْ قَالَ الْمَغْصُوبُ أَنَا آخُذُ الْجَارِيَةَ، لِأَنَّهَا إنَّمَا اُشْتُرِيَتْ بِدَنَانِيرِي، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. فَمَا فَرْقُ مَا بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ؟ قَالَ: فَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا، أَنَّ الْمُفَاوِضَ مَأْمُورٌ، لِأَنَّهُ، كَأَنَّهُ رَجُلٌ أَبْضَعَ مِنْهُ بِضَاعَةً، أَمَرَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا سِلْعَةً، فَخَالَفَ، فَرَبُّ الْمَالِ مُخَيَّرٌ فِي أَنْ يَأْخُذَ مَا اشْتَرَى الْمُبْضَعُ مَعَهُ، أَوْ يُسَلِّمَهَا وَيَأْخُذَ رَأْسَ مَالِهِ. فَهَذَا إنَّمَا يَشْتَرِي بِمَالِ الشَّرِكَةِ، وَهُوَ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ. فَشَرِيكُهُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَنْفَذَهَا لَهُ بِمَا اشْتَرَاهَا الْمُشْتَرِي، وَإِنْ شَاءَ قَاوَمَهُ إيَّاهَا. قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ: إنْ شَاءَ أَنْفَذَهَا لَهُ بِالثَّمَنِ، وَلَكِنْ هَكَذَا رَأْيِي. قُلْتُ: فَإِنْ قَالَ: الشَّرِيكُ لَا أُقَاوِمُهُ وَلَا أَنْفُذُهَا لَهُ، وَلَكِنِّي أَرُدُّ الْجَارِيَةَ فِي الشَّرِكَةِ؟ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ يَتَقَاوَمَانِهَا. قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَدْ قَالَ غَيْرُهُ: ذَلِكَ لَهُ. قُلْتُ: فَهَذَا خِلَافُ الْمُبْضَعِ مَعَهُ، لِأَنَّ الْمُبْضَعَ مَعَهُ رَبُّ الْمَالِ، مُخَيَّرٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ إنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>