للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَالَ غَيْرُهُ: وَهَذِهِ الدَّوَابُّ عَارِيَّةٌ لَا تُضْمَنُ، إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى الْمُسْتَعِيرُ. وَلَوْ اسْتَعَارَاهَا جَمِيعًا، فَتَعَدَّى أَحَدُهُمَا لَمْ يَضْمَنْ إلَّا الْمُتَعَدِّي فِي مُصَابَتِهِ، وَلَا يَضْمَنُ صَاحِبُهُ، لِأَنَّ الْمُتَعَدِّيَ جَانٍ وَصَاحِبُهُ لَا يَضْمَنُ جِنَايَتَهُ

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَعَارَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا طَعَامًا مِنْ تِجَارَتِهِمَا، فَخَالَفَهُ شَرِيكُهُ فَحَمَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ أَمَرَهُ طَعَامًا مِنْ تِجَارَتِهِمَا، فَعَطِبَتْ الدَّابَّةُ، أَيَضْمَنُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟ قَالَ: لَا أَقُومُ عَلَى حِفْظِ قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذَا بِعَيْنِهِ، وَلَكِنِّي لَا أَرَى عَلَيْهِ الضَّمَانَ، لِأَنَّ هَذَا قَدْ فَعَلَ مَا كَانَ يَجُوزُ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَفْعَلَ. وَإِنَّمَا اسْتَعَارَهَا شَرِيكُهُ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا سِلْعَةً مِنْ تِجَارَتِهِمَا، فَإِنَّمَا حَمَلَ عَلَيْهَا هَذَا مَا اسْتَعَارَهَا فِيهِ صَاحِبُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا أَقُومُ عَلَى حِفْظِهِ وَلَكِنَّهُ رَأْيِي سَحْنُونُ: وَلِأَنَّ أَحَدَهُمَا إذَا اسْتَعَارَ شَيْئًا لِمَصْلَحَةِ تِجَارَتِهِمَا، فَعَمِلَهُ الْآخَرُ، فَكَأَنَّهُ وَكِيلٌ لَهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَهُ لَهُ

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَعَارَ رَجُلٌ دَابَّةً، لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا غُلَامًا لَهُ إلَى مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ، فَرَبَطَهَا فِي الدَّارِ، فَأَتَى إنْسَانٌ فَحَمَلَ عَلَيْهَا ذَلِكَ الْغُلَامَ الَّذِي اسْتَعَارَهَا سَيِّدُهُ لَهُ، فَعَطِبَتْ الدَّابَّةُ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي هَذَا شَيْئًا، وَأَرَاهُ ضَامِنًا، لِأَنَّهُ حَمَلَ عَلَى دَابَّةِ رَجُلٍ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَبِغَيْرِ وَكَالَةٍ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.

[فِي أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ يُعِيرُ أَوْ يَهِبُ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ]

ِ قُلْتُ: هَلْ يَجُوزُ لِلشَّرِيكِ أَنْ يُعِيرَ شَيْئًا مَنْ مَتَاعِ الشَّرِكَةِ؟ قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ وَسَّعَ لَهُ فِي ذَلِكَ شَرِيكُهُ، أَوْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الشَّيْءِ الْخَفِيفِ، مِثْلُ الْغُلَامِ يَأْمُرُهُ أَنْ يَسْقِيَ الدَّابَّةَ لِرَجُلٍ، فَهَذَا أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ. وَالْعَارِيَّةُ إنَّمَا هِيَ مَعْرُوفٌ، فَلَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَفْعَلَ الْمَعْرُوفَ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ اسْتِئْلَافًا. قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمُتَفَاوِضَيْنِ مَا وَضَعَ أَحَدُهُمَا أَوْ أَعَارَ أَوْ وَهَبَ قَالَ: فَذَلِكَ أَيْضًا لَا يَجُوزُ عِنْدِي، إلَّا أَنْ يَكُونَ إنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ لِيَجْتَرَّ بِهِ فِي الشِّرَاءِ وَالِاسْتِغْزَارِ مِنْ سِلَعِهِ الَّتِي يَبِيعُ، فَلَا يَكُونُ بِهِ بَأْسٌ، وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ ضَمَانٌ فِيمَا ضَيَّعَ، لِأَنَّ هَذَا يَصِيرُ مِنْ تِجَارَتِهِمَا. وَأَمَّا إنْ صَنَعَ ذَلِكَ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ، وَإِنَّمَا صَنَعَهُ مَعْرُوفًا مِنْهُ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى شَرِيكِهِ، وَيَضْمَنُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا مَا اجْتَرَّ بِهِ مَنْفَعَةً: قُلْتُ. أَرَأَيْتَ إنْ بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ جَارِيَةً مِنْ شَرِكَتِهِمَا، ثُمَّ وَهَبَ الثَّمَنَ، أَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟ قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا فِي حِصَّتِهِ سَحْنُونُ وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ، لَا مِنْ حِصَّتِهِ وَلَا مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ يُنْقِصُ مِنْ الْمَالِ، وَيُدْخِلُ الضَّرَرَ عَلَى شَرِيكِهِ، لِأَنَّهُ إذَا وَهَبَ لِرَجُلٍ مِنْ حِصَّتِهِ، ثُمَّ وَضَعَ لِلْآخَرِ فِي الْبَيْعِ، فَقَدْ أَضَرَّ بِصَاحِبِهِ وَأَدْخَلَ عَلَيْهِ الضَّعْفَ فِي رَأْسِ الْمَالِ، فَلَا أَرَى أَنْ يَجُوزَ فِعْلُهُ وَتَبْقَى الشَّرِكَةُ، وَلَكِنْ فِعْلُهُ جَائِزٌ عَلَيْهِ فِيمَا وَهَبَ أَوْ وَضَعَ، وَتَنْفَسِخُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>