للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ كُلَّ مِنْ انْتَهَى هُوَ وَعُصْبَتُهُ إلَى جَدٍّ جَاهِلِيٍّ، أَيَتَوَارَثُونَ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: فِي كُلِّ بِلَادٍ اُفْتُتِحَتْ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا، وَكَانَتْ دَارَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ سَكَنَهَا أَهْلُ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَهْلُ الدَّارِ: إنَّهُمْ يَتَوَارَثُونَ بِأَنْسَابِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُمْ عَلَى أَنْسَابِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا، يُرِيدُ بِذَلِكَ كَمَا كَانَتْ الْعَرَبُ حِينَ أَسْلَمَتْ.

قَالَ: وَأَمَّا قَوْمٌ تَحَمَّلُوا، فَإِنْ كَانَ لَهُمْ عَدَدٌ وَكَثْرَةٌ تَوَارَثُوا بِهِ، وَكَذَلِكَ الْحِصْنُ يُفْتَحُ، فَإِنَّهُمْ يَتَوَارَثُونَ بِأَنْسَابِهِمْ. وَأَمَّا النَّفَرُ الْيَسِيرُ يَتَحَمَّلُونَ مِثْلُ الْعَشَرَةِ وَنَحْوِهِ، فَلَا يَتَوَارَثُونَ بِذَلِكَ، إلَّا أَنْ تَقُومَ لَهُمْ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ عَلَى الْأَصْلِ، مِثْلُ الْأُسَارَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَكُونُونَ عِنْدَهُمْ فَيَخْرُجُونَ فَيَشْهَدُونَ لَهُمْ. فَإِنَّهُمْ يَتَوَارَثُونَ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ لِي مَالِكٌ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ فِي الْوَلَاءِ: إنَّهَا جَائِزَةٌ. قَالَ سَحْنُونٌ: يُرِيدُ فِي الْمَالِ لَيْسَ فِي الْوَلَاءِ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ دَارًا فِي يَدَيَّ وَرِثْتهَا عَنْ أَبِي، فَأَقَامَ ابْنُ عَمِّي الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا دَارُ جَدِّي وَطَلَبَ مُورَثَهُ؟ قَالَ: هَذَا مِنْ وَجْهِ الْحِيَازَةِ الَّتِي أَخْبَرْتُكَ.

قَالَ: وَسَمِعْتُ مَالِكًا وَاخْتُصِمَ إلَيْهِ فِي أَرْضٍ احْتَفَرَ فِيهَا رَجُلٌ عَيْنًا، فَادَّعَى فِيهَا رَجُلٌ دَعْوَى فَاخْتَصَمُوا فِيهَا إلَى صَاحِبِ تِلْكَ الْمِيَاهِ، فَأَوْقَفَهُمْ حَتَّى يَرْتَفِعُوا إلَى الْمَدِينَةِ. فَأَتَى صَاحِبُ الْعَيْنِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا فَشَكَا ذَلِكَ إلَى مَالِكٍ، فَقَالَ مَالِكٌ: قَدْ أَحْسَنَ حِينَ أَوْقَفَهَا وَرَآهُ قَدْ أَصَابَ.

قَالَ: فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ: اُتْرُكْ عُمَّالِي يَعْمَلُونَ فَإِنْ اسْتَحَقَّ الْأَرْضَ فَلْيَهْدِمْ عَمَلِي. قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى ذَلِكَ، وَأَرَى أَنْ يُوقِفَ، فَإِنْ اسْتَحَقَّ حَقَّهُ أَخَذَهُ وَإِلَّا ثَبَتَتْ. قُلْتُ: وَهَلْ يَكُونُ هَذَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَغَيْرِ شَيْءٍ تُوقَفُ هَذِهِ الْأَرْضُ؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا أَرَى أَنْ تُوقَفَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ يُرَى لِقَوْلِ الْمُدَّعِي وَجْهٌ فَتُوقَفُ عَلَيْهِ الْأَرْضُ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى نَسَبٍ، ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا، أَتُثْبِتُ النَّسَبَ أَمْ تَرُدُّهُ؟ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ قَضَى بِهِ الْقَاضِي ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا فِيهِ، فَالْقَضَاءُ نَافِذٌ وَلَا يُرَدُّ

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الشَّاهِدَ، بِمَ يُجَرَّحُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: يُجَرَّحُ إذَا أَقَامُوا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ شَارِبُ خَمْرٍ أَوْ آكِلُ رِبًا، أَوْ صَاحِبُ قِيَانٍ، أَوْ كَذَبَ فِي غَيْرِ شَيْءٍ أَوْ نَحْوِ هَذَا.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ اخْتَلَطَ دِينَارٌ لِي بِمِائَةِ دِينَارٍ لَكَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: يَكُونُ شَرِيكًا لَهُ فِيمَا ضَاعَ مِنْهُمَا، هَذَا بِجُزْءٍ مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ وَجُزْءٍ، وَصَاحِبُ الْمِائَةِ بِمِائَةِ جُزْءٍ، كَذَلِكَ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَرَى، أَنَّ لِصَاحِبِ الْمِائَةِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ دِينَارًا، وَيُقَسِّمُ صَاحِبُ الْمِائَةِ وَصَاحِبُ الدِّينَارِ الدِّينَارَ الْبَاقِيَ نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ مِنْهَا لِصَاحِبِ الْمِائَةِ، فَكَيْفَ يَدْخُلُ صَاحِبُ الدِّينَارِ فِيمَا يَسْتَيْقِنُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ فِيهِ؟ وَكَذَلِكَ بَلَغَنِي عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>