للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَعْوَاهُمَا وَتَكَافَأَتْ الْبَيِّنَتَانِ؟

قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ لَا يُعْرَفُ لِمَنْ هُوَ يَدَّعِيهِ رَجُلَانِ فَإِنَّهُ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا. فَأَرَى هَذَا كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ وَالنَّصْرَانِيِّ مُسْلِمِينَ.

قُلْتُ: أَوَلَيْسَ هَذَا قَدْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ وَالِدَهُ مُسْلِمٌ، صُلِّيَ عَلَيْهِ وَدُفِنَ فِي مَقْبَرَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَكَيْفَ لَا يُجْعَلُ الْمِيرَاثُ لِهَذَا الْمُسْلِمِ؟

قَالَ: لَيْسَتْ الصَّلَاةُ شَهَادَةً.

قَالَ: وَأَمَّا الْمَالُ فَأُقَسِّمُهُ بَيْنَهُمَا وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ وَعُرِفَ أَنَّهُ كَانَ نَصْرَانِيًّا، فَهُوَ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ حَتَّى يُقِيمَ الْمُسْلِمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ أَبَاهُ نَصْرَانِيٌّ يَعْرِفُ النَّاسُ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ نَصْرَانِيًّا، فَهُوَ كَذَلِكَ حَتَّى يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ إلَّا أَنْ يُقِيمَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ كَمَا ذَكَرْتُ لَكَ مِنْ تَكَافُؤِ الْبَيِّنَتَيْنِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يَكُونُ الْمَالُ لِلْمُسْلِمِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى دَعْوَى النَّصْرَانِيِّ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْمُسْلِمِ زَادَتْ حِينَ زَعَمَتْ أَنَّهُ مُسْلِمٌ.

[فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْحِيَازَةِ]

ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ شَهِدُوا عَلَى دَارٍ أَنَّهَا فِي يَدِ رَجُلٍ مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ، يَحُوزُهَا وَيَمْنَعُهَا وَيُكْرِيهَا وَيَهْدِمُ وَيَبْنِي، وَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الدَّارَ دَارُهُ، أَيَجْعَلُ مَالِكٌ الَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْحِيَازَةِ وَهِيَ فِي يَدَيْهِ، بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ وَهِيَ فِي يَدَيْهِ أَنَّهَا لَهُ فَيَكُونُ أَوْلَى بِهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ، وَيَجْعَلُ مَالِكٌ الْحِيَازَةَ إذَا شَهِدُوا لَهُ بِهَا بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ؟

قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ حَاضِرًا يَرَاهُ يَبْنِي وَيَهْدِمُ وَيُكْرِي فَلَا حُجَّةَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا سُئِلَ الَّذِي الدَّارُ فِي يَدَيْهِ، فَإِنْ أَتَى بِبَيِّنَةٍ أَوْ سَمَاعٍ قَدْ سَمِعُوا أَنَّ أَبَاهُ أَوْ جَدَّهُ قَدْ اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ، إذَا كَانَ أَمْرًا قَدْ تَقَادَمَ فَأَرَاهَا لَهُ، دُونَ الَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ.

قَالَ مَالِكٌ: لِأَنَّ هَهُنَا دُورًا قَدْ عُرِفَتْ لِمَنْ أَوَّلُهَا قَدْ بِيعَتْ، وَتَدَاوَلَتْهَا الْمَوَارِيثُ وَحِيزَتْ مُنْذُ زَمَانٍ فَلَوْ سُئِلَ أَهْلُهَا الْبَيِّنَةَ عَلَى أَصْلِ الشِّرَاءِ، لَمْ يَجِدُوا إلَّا السَّمَاعَ. فَإِذَا كَانَ مِثْلَ مَا وَصَفْتُ لَكَ فِي تَطَاوُلِ الزَّمَانِ، فَأَتَى بِالسَّمَاعِ مَعَ الْحِيَازَةِ فَأَرَاهَا لَهُ. كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِالسَّمَاعِ وَلَا بِالشَّهَادَةِ، وَكَانَ الَّذِي يَطْلُبُ الدَّارَ غَائِبًا، فَقَدِمَ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ رَأَيْتَهَا لَهُ.

قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا إذَا حَازَهَا الْمُشْتَرِي دُونَهُ، فَلَا شَيْءَ لِلَّذِي يَدَّعِيهَا.

قُلْتُ: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يُوَقِّتُ فِي الْحِيَازَةِ عَشْرَ سِنِينَ؟

قَالَ: مَا سَمِعْتُ مَالِكًا يَحُدُّ فِيهِ عَشْرَ سِنِينَ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى أَنَّ هَذَا قَدْ حَازَهَا دُونَ الْآخَرِ فِيمَا يُكْرَى وَيُهْدَمُ وَيُبْنَى وَيُسْكَنُ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الدَّوَابَّ وَالثِّيَابَ وَالْعُرُوضَ كُلَّهَا، وَالْحَيَوَانَ كُلَّهُ، هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَرَى أَنَّهَا إذَا حَازَهَا رَجُلٌ بِمَحْضَرٍ مِنْ رَجُلٍ، فَادَّعَاهَا الَّذِي حِيزَتْ عَلَيْهِ، أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا؛ لِأَنَّ هَذَا قَدْ حَازَهَا دُونَهُ؟ وَهَلْ كَانَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِثْلَ مَا يَقُولُ فِي الدُّورِ وَالْحِيَازَةِ؟

قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي هَذَا شَيْئًا إلَّا أَنَّ ذَلِكَ عِنْدِي مِثْلُ مَا قَالَ مَالِكٌ فِي الدُّورِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>