للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْغَاصِبِ، وَمِنْ غَيْرِ الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْ الْغَاصِبِ، فَهُوَ أَيْضًا نَقْضٌ لِبَيْعِ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْ رَبِّهَا، لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْ الْغَاصِبِ.

قُلْتُ: فَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْجَارِيَةَ مَغْصُوبَةٌ، وَأَتَى رَبُّهَا فَقَالَ: قَدْ أَجَزْت الْبَيْعَ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: لَا أَقْبَلُ الْجَارِيَةَ؛ لِأَنَّهَا غُصِبَتْ.

قَالَ: يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ.

قَالَ: وَلَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَفْتَاتُ عَلَى الرَّجُلِ فَيَبِيعُ سِلْعَتَهُ وَهُوَ غَائِبٌ، فَيَعْلَمُ بِذَلِكَ الْمُشْتَرِي فَيُرِيدُ رَدَّهَا وَيَقُولُ بَائِعُهَا: أَنَا أَسَتَأْنِي رَأْيَ صَاحِبِهَا فِيهَا.

قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا. قَالَ: فَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ غَائِبًا كَانَ بِحَالِ مَنْ اُفْتِيتَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فَأَجَازَ الْبَيْعَ جَازَ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْبَى ذَلِكَ إذَا أَجَازَهُ رَبُّ السِّلْعَةِ، وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَرُدَّ إذَا كَانَ رَبُّ السِّلْعَةِ غَائِبًا؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَا أُوقِفُ جَارِيَةً فِي يَدِي أُنْفِقُ عَلَيْهَا وَصَاحِبُهَا عَلَيَّ بِالْخِيَارِ فِيهَا. وَهَذَا رَأْيِي.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَقَمْت الْبَيِّنَةَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ غَصَبَنِي جَارِيَةً، وَالْجَارِيَةُ مُسْتَهْلَكَةٌ وَلَا يَعْرِفُ الشُّهُودُ مَا قِيمَتُهَا، أَيُقَالُ لَهُمْ: صِفُوهَا فَيُدْعَى لِصِفَتِهَا الْمُقَوِّمُونَ؟

قَالَ: نَعَمْ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّهُ غُصِبَ مِنْهُ جَارِيَةٌ، وَلَا نَدْرِي الْجَارِيَةَ أَهِيَ الْمَغْصُوبَةُ مِنْهُ أَمْ لَا؟

قَالَ: إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ غَصَبَهَا مِنْهُ فَهِيَ عِنْدَنَا لَهُ، وَقَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ نَزَعَ هَذَا الثَّوْبَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ، غَصَبَهُ إيَّاهُ السَّاعَةَ، وَلَكِنْ قَالُوا: لَا نَدْرِي الثَّوْبُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَمْ لَا، أَمَا كُنْتَ تَرُدُّهُ عَلَيْهِ؟ فَالْأَمَةُ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ.

[فِيمَنْ غَصَبَ جَارِيَةً فَادَّعَى أَنَّهُ قَدْ اسْتَهْلَكَهَا أَوْ قَالَ هَلَكَتْ فَاخْتَلَفَا فِي صِفَتِهَا]

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ غَصَبَنِي رَجُلٌ جَارِيَةً فَادَّعَى أَنَّهُ اسْتَهْلَكَهَا، أَوْ قَالَ: هَلَكَتْ الْجَارِيَةُ، فَاخْتَلَفْنَا فِي صِفَتِهَا أَنَا وَالْغَاصِبُ؟

قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ فِي الصِّفَةِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِنْ أَتَى بِمَا لَا يُشْبِهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ الْجَارِيَةُ فِي الصِّفَةِ مَعَ يَمِينِهِ.

قُلْتُ: فَإِنْ ضَمِنَهَا قِيمَتَهَا، ثُمَّ ظَهَرَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَ الْغَاصِبِ بَعْدَ ذَلِكَ، أَيَكُونُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَهَا وَيَرُدَّ الْقِيمَةَ؟

قَالَ: إنْ عَلِمَ أَنَّ الْغَاصِبَ أَخْفَاهَا عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ جَارِيَتَهُ. وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْغَاصِبُ حَلَفَ عَنْ صِفَتِهَا وَغَرِمَ قِيمَةَ تِلْكَ الصِّفَةِ، فَظَهَرَتْ الْجَارِيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ مُخَالِفَةً لِتِلْكَ الصِّفَةِ خِلَافًا بَيِّنًا، فَيَكُونُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ الْجَارِيَةُ أَنْ يَرُدَّ مَا أَخَذَ وَيَأْخُذَ جَارِيَتَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا وَحَبَسَ مَا أَخَذَ مِنْ قِيمَةِ جَارِيَتِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَحَدَهُ بَعْضَ الْقِيمَةِ، فَلِذَلِكَ رَجَعَ عَلَيْهِ بِاَلَّذِي جَحَدَهُ.

قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟

قَالَ: هَذَا رَأْيِي.

قَالَ: وَلَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ انْتَهَبَ مِنْ رَجُلٍ صُرَّةَ دَنَانِيرَ وَنَاسٌ يَنْظُرُونَ إلَيْهِ، فَادَّعَى الَّذِي اُنْتُهِبَتْ مِنْهُ أَنَّ فِيهَا كَذَا وَكَذَا، وَقَالَ الَّذِي انْتَهَبَهَا: إنَّمَا فِيهَا كَذَا وَكَذَا أَقَلُّ عَدَدًا مَنْ الَّذِي ادَّعَى الْمَنْهُوبَةَ مِنْهُ.

قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْتَهَبِ مَعَ يَمِينِهِ، فَكَذَلِكَ هَذَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>