للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيَكُونُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَاهِبِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: إنَّمَا يَكُونُ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَبَدًا إذَا كَانَ الْوَاهِبُ عَدِيمًا لَا شَيْءَ لَهُ، أَوْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَاهِبِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْوَاهِبُ مَلِيًّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَإِنَّمَا لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُضَمِّنَ ذَلِكَ الْوَاهِبَ.

قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ الْوَاهِبُ عَدِيمًا، فَضَمَّنَ الْمُسْتَحِقُّ الْمَوْهُوبَ لَهُ، أَيَكُونُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَاهِبِ بِذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: لَا أَقُومُ عَلَى حِفْظِ قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذَا، وَلَا أَرَى ذَلِكَ لَهُ

[فِيمَنْ اسْتَعَارَ ثَوْبًا أَوْ اسْتَأْجَرَهُ فَاسْتُحِقَّ فِي يَدَيْهِ]

ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَعَرْت مَنْ رَجُلٍ ثَوْبًا شَهْرَيْنِ لِأَلْبَسَهُ، فَلَبِسْتُهُ شَهْرَيْنِ فَنَقَصَهُ لُبْسِي، فَأَتَى رَجُلٌ فَاسْتَحَقَّ الثَّوْبَ، وَاَلَّذِي أَعَارَنِي الثَّوْبَ عَدِيمٌ لَا شَيْءَ لَهُ، أَيَكُونُ لِلَّذِي اسْتَحَقَّهُ أَنْ يُضَمِّنَنِي مَا نَقَصَ لُبْسِي الثَّوْبَ؟

قَالَ: نَعَمْ فِي رَأْيِي، مِثْلُ مَا قَالَ مَالِكٌ فِي الِاشْتِرَاءِ.

قُلْتُ: فَإِنْ ضَمَّنَنِي، أَيَكُونُ لِي أَنْ أَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَى الَّذِي أَعَارَنِي فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: لَا أَرَى لَكَ أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ مَعْرُوفٌ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ لِهِبَتِهِ ثَوَابًا فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّوَابِ.

قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْ هَذَا مِنْ مَالِكٍ؟ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كُنْتُ اسْتَأْجَرْتُ الثَّوْبَ فَلَبِسْتُهُ فَنَقَصَهُ لُبْسِي، فَأَتَى رَبُّ الثَّوْبِ، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَنِي؟

قَالَ: نَعَمْ. مِثْلُ مَا قَالَ مَالِكٌ فِي شِرَاءِ الثَّوْبِ: إنَّهُ إذَا لَبِسَهُ وَقَدْ اشْتَرَاهُ فَنَقَصَهُ لُبْسُهُ، إنَّهُ ضَامِنٌ لِمَا نَقَصَهُ لُبْسُهُ، وَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ هِيَ عِنْدِي مِثْلُ الْبَيْعِ.

قُلْتُ: فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَى الَّذِي آجَرَهُ الثَّوْبَ بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُ مِنْ الْإِجَارَةِ؟

قَالَ: نَعَمْ كَمَا يَرْجِعُ فِي الْبَيْعِ بِالثَّمَنِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا لَبِسَ الثَّوْبَ وَقَدْ اشْتَرَاهُ فَنَقَصَهُ اللُّبْسُ، فَضَمِنَ مَالِكُ الْمُشْتَرَى مَا نَقَصَ اللُّبْسُ الثَّوْبَ وَأَخَذَ ثَوْبَهُ، أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْإِجَارَةِ، وَهُوَ فِي الْبَيْعِ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالْإِجَارَةُ رَأْيِي.

[فِيمَنْ ادَّعَى قِبَلَ رَجُلٍ أَنَّهُ غَصَبَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ]

ٍ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ ادَّعَيْت قِبَلَ رَجُلٍ أَنَّهُ غَصَبَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ، أَيَكُونُ لِي أَنْ أَسْتَحْلِفَهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ فِي امْرَأَةٍ ادَّعَتْ أَنَّ فُلَانًا اسْتَكْرَهَهَا عَلَى نَفْسِهَا.

قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ الرَّجُلُ لَا يُشَارُ إلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا، رَأَيْتُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْحَدَّ. وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُشَارُ إلَيْهِ بِالْفِسْقِ، رَأَيْتُ أَنْ يَنْظُرَ السُّلْطَانُ فِي ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ الْغَصْبُ فِي الْأَمْوَالِ، إذَا ادَّعَى رَجُلٌ قِبَلَ رَجُلٍ غَصْبًا، فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا، رَأَيْتُ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُؤَدِّبَ الَّذِي ادَّعَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُتَّهَمُ بِذَلِكَ، نَظَرَ السُّلْطَانُ فِي ذَلِكَ وَأَحْلَفَهُ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ هَذَا الْغَاصِبَ كَانَ مِمَّنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>