للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَائِعُ الطَّلْعَ لَمْ يَجُزْ اسْتِثْنَاؤُهُ، وَإِنْ بَاعَ أَرْضًا وَفِيهَا زَرْعٌ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ كَانَ الزَّرْعُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُشْتَرِي؟ فَهَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا. قُلْت: فَإِنَّ النَّخْلَ إذَا أُبِّرَتْ فَبَاعَهَا رَبُّهَا فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ، فَقَدْ صَارَ لِلثَّمَرَةِ بَعْدَ الْإِبَارِ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ إذَا جَاءَ الشَّفِيعُ فَاسْتَحَقَّ بِالشُّفْعَةِ وَقَدْ انْتَقَلَتْ الثَّمَرَةُ إلَى حَالِ الْيُبْسِ وَالْإِثْمَارِ، فَلِمَ لَا تَجْعَلُ لِلثَّمَرَةِ حِصَّةً كَمَا جَعَلْت لِلزَّرْعِ حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ، وَلِأَنَّ الْأَرْضَ قَدْ يَبِيعُهَا صَاحِبُهَا وَيَبْقَى الزَّرْعُ لِصَاحِبِهَا، فَكَذَلِكَ النَّخْلُ إذَا كَانَتْ الثَّمَرَةُ قَدْ أُبِّرَتْ، فَإِنَّ صَاحِبَهَا يَبِيعُهَا وَتَكُونُ الثَّمَرَةُ لَهُ، فَمَا فَرْقُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ؟

قَالَ: سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الشَّفِيعِ إذَا جَاءَ لِيَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ وَقَدْ أُبِّرَتْ النَّخْلُ: إنَّهُ يَدْفَعُ إلَى الْمُشْتَرِي مَا أَنْفَقَ فِي السَّقْيِ وَالْعِلَاجِ وَيَأْخُذُ الثَّمَرَةَ بِالشُّفْعَةِ.

قَالَ: وَمِمَّا يُبَيِّنُ لَك أَيْضًا فَرْقَ مَا بَيْنَهُمَا، أَنَّ الثَّمَرَةَ نِصْفُهَا لِلْآخِذِ بِالشُّفْعَةِ وَأَنَّ الزَّرْعَ لَيْسَ لِلْآخِذِ بِالشُّفْعَةِ مِنْهُ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ وِلَادَةٌ وَلَيْسَ الزَّرْعُ بِوِلَادَةٍ، فَهَذَا الَّذِي سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ. وَبَلَغَنِي عَنْهُ قَالَ: وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى النَّخْلَ وَفِيهَا ثَمَرَةٌ قَدْ أُبِّرَتْ فَاسْتَثْنَى ثَمَرَتَهَا، ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ لِيَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ وَقَدْ يَبِسَتْ الثَّمَرَةُ.

قَالَ سَحْنُونٌ: يَأْخُذُ الثَّمَرَةَ وَيُعْطِي الْمُشْتَرِيَ قِيمَةَ السَّقْيِ وَالْعِلَاجِ. إنَّمَا جَعَلْته يَأْخُذُ الثَّمَرَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَوْ جَعَلْت لَهَا حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ، جَعَلْت الشَّفِيعَ يَأْخُذُ النَّخْلَ بِمَا وَقَعَ عَلَيْهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَجَعَلْت لِلثَّمَرَةِ حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ، وَكَانَ بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، وَإِنَّمَا هُوَ مَلْغِيٌّ وَتَبَعٌ لِلنَّخْلِ. أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى عَبْدًا لَهُ مَالٌ وَاشْتَرَطَ مَالَهُ، ثُمَّ أُصِيبَ الْمَالُ وَأَصَابَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا، رَدَّهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ لِلْمَالِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مَلْغِيٌّ وَتَبَعٌ وَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ لَمَا رَجَعَ إذَا رُدَّ الْعَبْدُ بِالْعَيْبِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؟ فَهَذَا أَصَحُّ أَقَاوِيلِهِ.

قَالَ: الشَّفِيعُ لَا يَأْخُذُ الثَّمَرَةَ، وَلَكِنْ يُقَسَّمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الثَّمَرَةِ وَقِيمَةِ النَّخْلِ، فَيُوضَعُ عَنْ الشَّفِيعِ مَا أَصَابَ الثَّمَرَةَ مِنْ الثَّمَنِ. وَيَأْخُذُ النَّخْلَ بِمَا أَصَابَهَا مِنْ الثَّمَنِ. وَهَذَا وَالزَّرْعُ سَوَاءٌ لَيْسَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ، وَإِنَّمَا الَّذِي قُلْت لَك: الْأَوَّلُ لَا حِصَّةَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ إذَا يَبِسَتْ الثَّمَرَةُ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ إذَا اشْتَرَى النَّخْلُ - وَفِيهَا طَلْعٌ لَمْ يُؤَبَّرْ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي النَّخْلِ ثَمَرَةٌ - فَهَذَا الَّذِي إذَا يَبِسَتْ الثَّمَرَةُ فَأَخَذَ الشَّفِيعُ النَّخْلَ بِالشُّفْعَةِ، فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الثَّمَرَةِ وَلَا يَكُونُ لِلثَّمَرَةِ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الثَّمَرَةَ هَهُنَا بِمَنْزِلَةِ الْحَبَلِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِصَاحِبِ النَّخْلِ أَنْ يَبِيعَ النَّخْلَ وَيَسْتَثْنِي ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>