للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَعَتْ فَاسِدَةً، فَكَذَلِكَ تَقَعُ صَفْقَةُ الشَّفِيعِ، وَكَمَا تُرَدُّ صَفْقَةُ الْبَائِعِ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ تُرَدَّ صَفْقَةُ الْمُشْتَرِي.

قُلْت: فَلَوْ اشْتَرَاهَا مُشْتَرٍ بَيْعًا فَاسِدًا ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ غَيْرِهِ بَيْعًا صَحِيحًا؟ فَقَالَ: لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ، إنْ شَاءَ بِالْبَيْعِ الثَّانِي وَهُوَ الْبَيْعُ الصَّحِيحُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ.

قَالَ: فَإِنْ قَالَ: أَنَا آخُذُ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ، قُلْنَا: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، إنَّمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْبَيْعِ الصَّحِيحِ أَوْ يَدَعَ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُشْتَرِي الِاشْتِرَاءَ الْفَاسِدَ فَوْتٌ، فَلِذَلِكَ جَازَ الْبَيْعُ الثَّانِي وَكَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ بِالْبَيْعِ الثَّانِي. قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟

قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا: مَنْ بَاعَ بَيْعًا حَرَامًا كَانَ لَا يُقَرُّ عَلَى حَالٍ، وَيُفْسَخُ قَبْلَ أَنْ يَتَفَاوَتَ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ، فَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَتَفَاوَتَ فِي يَدِهِ بَاعَهُ بَيْعًا حَلَالًا.

قَالَ مَالِكٌ: يَنْفُذُ الْبَيْعُ الثَّانِي وَلَا يُرَدُّ وَيَتَرَادَّانِ - الْبَائِعُ الْأَوَّلُ وَالْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ - الثَّمَنَ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَيَلْزَمُهُ الْبَيْعُ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ قَبَضَ، فَعَلَى هَذَا رَأَيْت مَسْأَلَتَك فِي الشُّفْعَةِ. وَإِنَّمَا رَأَيْت لِلشَّفِيعِ أَنْ لَا يَأْخُذَ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَخَذَ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ كَانَ ذَلِكَ مَفْسُوخًا، فَيَرُدُّ حِينَئِذٍ إلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ وَيُفْسَخُ بَيْعُ الْآخَرِ الصَّحِيحِ، فَلَا يَكُونُ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ، إنْ طَلَب أَنْ يَأْخُذَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْبَيْعِ الصَّحِيحِ أَوْ يَدَعَ وَيَتَرَادَّانِ الْأَوَّلَانِ الْقِيمَةَ فِيمَا بَيْنَهُمَا، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، إلَّا أَنِّي اسْتَحْسَنْت هَذَا عَلَى مَا أَخْبَرْتُك مِنْ قَوْلِهِ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ وَالدَّارُ بِعَيْنِهَا لَمْ تَفُتْ بِبِنَاءٍ وَلَا بِهَدْمٍ، فَأَمَّا إذَا فَاتَتْ بِالْبِنَاءِ أَوْ بِالْهَدْمِ، فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ إنْ شَاءَ بِالْقِيمَةِ الَّتِي لَزِمْت الْمُشْتَرِي، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي بِيعَتْ بِهِ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ، وَهِيَ إذَا فَاتَتْ فَإِنَّمَا كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا تُرَدُّ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَقَدْ لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ فِيهَا حَتَّى كَأَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ.

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ تَرَادَّ - الْبَائِعُ الْأَوَّلُ وَالْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ - الْبَيْعَ فِيمَا بَيْنَهُمَا، وَالشِّقْصُ مَنْ الدَّارِ فِي يَدَيَّ الْمُشْتَرِي الثَّانِي الَّذِي اشْتَرَى اشْتِرَاءً صَحِيحًا، فَقَدِمَ الشَّفِيعُ بَعْدَمَا تَرَادَّا الثَّمَنَ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَغَرِمَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ الْقِيمَةَ لِلْبَائِعِ، فَقَدِمَ الشَّفِيعُ فَقَالَ: أَنَا آخُذُ بِالشُّفْعَةِ؟

قَالَ: ذَلِكَ لِلشَّفِيعِ، يَأْخُذُ بِأَيِّ ذَلِكَ شَاءَ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ الثَّانِيَ الَّذِي اشْتَرَى الدَّارَ شِرَاءً صَحِيحًا، لَوْ أَصَابَ بِالدَّارِ عَيْبًا بَعْدَمَا تَرَادَّ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ وَالْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ الثَّمَنَ فِيمَا بَيْنَهُمَا، وَتَرَاجَعَا إلَى الْقِيمَةِ بِقَضَاءِ قَاضٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ، فَأَرَادَ هَذَا الْمُشْتَرِي الثَّانِي أَنْ يَرُدَّ الدَّارَ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بِالْعَيْبِ، كَانَ ذَلِكَ لَهُ، فَإِنْ رَدَّهَا عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ صَحَّ فِيمَا بَيْنَهُمَا بِالْقِيمَةِ الَّتِي تَرَاجَعَا إلَيْهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ إنَّمَا يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ، فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ الَّذِي رُدَّتْ عَلَيْهِ بِهِ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِالْقِيمَةِ الَّتِي كَانَ أَخَذَهَا مِنْهُ.

قَالَ: وَقَالَ لِي مَالِكٌ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اكْتَرَى دَابَّةً إلَى مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ، فَتَعَدَّى ذَلِكَ الْمَوْضِعَ، فَضَلَّتْ مِنْهُ الدَّابَّةُ فَضَمَّنَهُ رَبُّ الدَّابَّةِ قِيمَةَ الدَّابَّةِ وَقَبَضَ الْقِيمَةَ، ثُمَّ أَصَابَ

<<  <  ج: ص:  >  >>