للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي رَجُلٍ أَوْصَى فَقَالَ: أَوْقِدُوا فِي هَذَا الْمَسْجِدِ مِصْبَاحَهُ وَأَقِيمُوهُ لَهُ، وَأَوْصَى مَعَ ذَلِكَ بِوَصَايَا، كَيْفَ يَرَى الْعَمَلَ فِيهِ؟

قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَنْظُرُ كَمْ قِيمَةُ ثُلُثِ الْمَيِّتِ وَإِلَى مَا أَوْصَى بِهِ مِنْ الْوَصَايَا، فَيَتَحَاصُّونَ فِي ثُلُثِ الْمَيِّتِ يُحَاصُّ لِلْمَسْجِدِ بِقِيمَةِ الثُّلُثِ، وَلِلْوَصَايَا بِمَا سَمَّى لَهُمْ فِي الثُّلُثِ، فَمَا صَارَ لِلْمَسْجِدِ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمُحَاصَّةِ وُقِفَ لَهُ وَاسْتُصْبِحَ بِهِ فِيهِ حَتَّى يُنْجَزَ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، فَقَالَ مَالِكٌ فِيهَا هَذَا، وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ.

قَالَ سَحْنُونٌ: وَكَذَلِكَ إذَا أَوْصَى الْمَيِّتُ بِشَيْءٍ لَيْسَ لَهُ غَايَةٌ وَلَا أَمَدٌ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَعْطُوا الْمَسَاكِينَ كُلَّ يَوْمٍ خُبْزَةً، أَوْ قَالَ اسْقُوا كُلَّ يَوْمٍ رَاوِيَةَ مَاءٍ فِي السَّبِيلِ، فَهَذَا كَأَنَّهُ إنَّمَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ، فَإِنَّمَا يُحَاصُّ لِهَذَا بِالثُّلُثِ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ قَدْ أَوْصَى مَعَ هَذَا بِوَصَايَا.

قَالَ سَحْنُونٌ: وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ إلَى النَّاسِ بِغَيْرِ أَجَلٍ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَعْطُوا الْمَسَاكِينَ دِرْهَمًا كُلَّ يَوْمٍ، أَوْ كُلَّ شَهْرٍ وَلَمْ يُؤَجِّلْ، فَإِنَّهُمْ يُضْرَبُ لَهُمْ بِالثُّلُثِ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ قَدْ أَوْصَى مَعَهُمْ بِوَصَايَا.

[فِي خَلْعِ الثُّلُثِ مِنْ الْوَرَثَةِ إذَا لَمْ يُجِيزُوا]

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَوْصَى بِسُكْنَى دَارِهِ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهَا؟

قَالَ: يُقَالُ لِلْوَرَثَةِ: أَسْلِمُوا إلَيْهِ سُكْنَاهَا وَإِلَّا فَاقْطَعُوا لَهُ بِثُلُثِهَا بَتْلًا.

قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟

قَالَ: نَعَمْ كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: بَلَغَنِي عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ مِثْلُهُ. سَحْنُونٌ: وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ.

قُلْتُ: فَإِنْ أَوْصَى أَنْ يُؤَاجِرَ أَرْضَهُ مِنْ فُلَانٍ سِنِينَ مُسَمَّاةً بِكَذَا وَكَذَا، فَنَظَرُوا إلَى الْأَرْضِ فَكَانَتْ قِيمَةُ الْأَرْضِ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ؟

قَالَ: فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلْوَرَثَةِ: أَسْلِمُوا مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ الْمَيِّتُ بِالْكِرَاءِ الَّذِي قَالَ، فَإِنْ أَبَوْا قِيلَ لَهُمْ: فَأَخْرِجُوا لَهُ مِنْ ثُلُثِ الْمَيِّتِ بَتْلًا بِغَيْرِ ثَمَنٍ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَوْصَى بِوَصَايَا - وَلِلْمَيِّتِ مَالٌ حَاضِرٌ وَمَالٌ غَائِبٌ - أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِرَجُلٍ وَبِالرُّبُعِ الْآخَرِ وَبِالسُّدُسِ الْآخَرِ؟

قَالَ: يُقَالُ لِلْوَرَثَةِ: أَجِيزُوا، فَإِنْ أَبَوْا كَانَ ذَلِكَ لَهُمْ وَيُقَالُ لَهُمْ: ابْرَءُوا إلَيْهِمْ مِنْ ثُلُثِ الْمَيِّتِ مِنْ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ إذَا خَرَجَ، فَيَتَحَاصُّ أَهْلُ الْوَصَايَا فِي ثُلُثِ هَذَا الْعَيْنِ بِقَدْرِ وَصَايَاهُمْ، فَإِذَا خَرَجَ الدَّيْنُ أَخَذُوا ثُلُثَهُ فَيَتَحَاصُّونَ فِيهِ أَيْضًا بِقَدْرِ وَصَايَاهُمْ.

قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟

قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُوصِي لِرَجُلٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَلَهُ دُيُونٌ، وَلَيْسَ فِيمَا تَرَكَ مِنْ الْمَالِ الْحَاضِرِ مَا تَخْرُجُ الْمِائَةُ مِنْ ثُلُثِهِ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: يُخَيَّرُ الْوَرَثَةُ، فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ يُعْطُوهُ الْمِائَةَ وَيَجْعَلُوهَا لَهُ، وَإِلَّا قَطَعُوا لَهُ بِثُلُثِ الْمَيِّتِ فِي الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ، فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُكَ إذَا أَبَوْا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ قِيلَ لَهُمْ: ابْرَءُوا بِثُلُثِ الْمَيِّتِ إلَيْهِمْ حَيْثُمَا كَانَ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ تَرَكَ مِائَةَ دِينَارٍ عَيْنًا وَمِائَةَ دِينَارٍ دَيْنًا، وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِخَمْسِينَ دِينَارًا مِنْ الْعَيْنِ، وَأَوْصَى لِرَجُلٍ آخَرَ بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا مِنْ الدَّيْنِ، مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذَا؟

قَالَ: يُقَالُ لِلْوَرَثَةِ: أَجِيزُوا، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يُجِيزُوا قِيلَ لَهُمْ: أَخْرِجُوا لِأَهْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>