للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ هَذَا الْعَبْدُ نَفْسُهُ، أَوْ هَذَا الصَّبِيُّ نَفْسُهُ؟

قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ يُدْفَعَ ذَلِكَ إلَيْهِمَا فَيَحُجَّانِ عَنْ الرَّجُلِ إذَا أَذِنَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ، أَوْ أَذِنَ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ، وَلَا تُرَدُّ وَصِيَّتُهُ مِيرَاثًا لِأَنَّ الْحَجَّ بِرٌّ، وَإِنْ حَجَّ عَنْهُ صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ لِأَنَّ حَجَّةَ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ تَطَوُّعٌ. وَالْمَيِّتُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ضَرُورَةً أَوْصَى بِحَجَّةٍ تَطَوُّعًا أُنْفِذَ ذَلِكَ، وَلَمْ تُرَدَّ وَصِيَّتُهُ إلَى الْوَرَثَةِ فَكَذَلِكَ هَذَا.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الصَّبِيَّ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ، وَأَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ أَنْ يَحُجَّ عَنْ الْمَيِّتِ، أَيَجُوزُ إذْنُهُ؟

قَالَ: لَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا، إلَّا أَنْ يُخَافَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضَيْعَةٌ أَوْ مَشَقَّةٌ مِنْ السَّفَرِ فَلَا أَرَى ذَلِكَ يَجُوزُ، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا قُلْتُهُ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَتَّجِرَ وَأَمَرَهُ بِذَلِكَ جَازَ، وَلَوْ خَرَجَ فِي تِجَارَةٍ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ. فَإِذَا كَانَ هَذَا كَذَلِكَ، فَجَائِزٌ لَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا أَوْصَى إلَيْهِ الْمَيِّتُ بِذَلِكَ إذَا أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ وَكَانَ قَوِيًّا عَلَى الذَّهَابِ وَكَانَ ذَلِكَ نَظَرًا لَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَرَرٌ.

قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لِلْيَتِيمِ فِي هَذَا.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْوَلِيُّ؟

قَالَ: أَرَى أَنْ يُوقَفَ الْمَالُ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّبِيُّ، فَإِنْ حَجَّ بِهِ الصَّبِيُّ وَإِلَّا رَجَعَ مِيرَاثًا.

قُلْتُ: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟

قَالَ: لَا.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهَذَا الَّذِي أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ هَذَا الصَّبِيُّ، عَلِمْنَا أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ التَّطَوُّعَ وَلَمْ يُرِدْ الْفَرِيضَةَ؟

قَالَ: وَلَوْ أَنَّهُ كَانَ ضَرُورَةً وَقَصَدَ قَصْدَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَقَالَ: يَحُجُّ عَنِّي فُلَانٌ، فَأَبَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فُلَانٌ. قَالَ: يَحُجُّ عَنْهُ غَيْرُهُ. قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. وَلَيْسَ التَّطَوُّعُ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْفَرِيضَةِ، وَهَذَا إذَا أَوْصَى بِحَجَّةِ تَطَوُّعٍ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ رَجُلٌ بِعَيْنِهِ فَأَبَى ذَلِكَ الرَّجُلُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ رُدَّتْ إلَى الْوَرَثَةِ سَحْنُونٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا تَرْجِعُ إلَى الْوَرَثَةِ وَالصَّرُورَةُ فِي هَذَا وَغَيْرُ الصَّرُورَةِ سَوَاءٌ لِأَنَّ الْحَجَّ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ نَفْسَهُ وَلَيْسَ مِثْلَ الصَّدَقَةِ عَلَى الْمِسْكَيْنِ بِعَيْنِهِ وَلَا شِرَاءَ الْعَبْدِ بِعَيْنِهِ لِأَنَّ تِلْكَ لَا قِوَامَ بِعَيْنِهِمْ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمِثْلُ ذَلِكَ مِثْلُ الرَّجُلِ يَقْصِدُ قَصْدَ مِسْكِينٍ بِعَيْنِهِ فَقَالَ: تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ بِمِائَةِ دِينَارٍ مِنْ ثُلُثِي، فَمَاتَ الْمِسْكِينُ قَبْلَ الْمُوصِي، أَوْ أَبَى أَنْ يَقْبَلَ، رَجَعَتْ مِيرَاثًا إلَى وَرَثَتِهِ. أَوْ قَالَ: اشْتَرُوا عَبْدَ فُلَانٍ بِعَيْنِهِ فَأَعْتِقُوهُ عَنِّي فِي غَيْرِ عِتْقٍ عَلَيْهِ وَاجِبٍ، فَأَبَى أَهْلُهُ أَنْ يَبِيعُوهُ، رَجَعَتْ الْوَصِيَّةُ مِيرَاثًا لِلْوَرَثَةِ بَعْدَ الِاسْتِينَاءِ وَالْإِيَاسِ مِنْ الْعَبْدِ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: أَحِجُّوا فُلَانًا فِي حَجَّةِ وَصِيَّتِهِ وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي، أَيُعْطَى مِنْ الثُّلُثِ شَيْئًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: يُعْطَى مِنْ الثُّلُثِ بِقَدْرِ مَا يَحُجُّ بِهِ إنْ حَجَّ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحُجَّ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ ثُمَّ يَقْعُدُ فَلَا يَحُجُّ، فَإِنْ أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَحُجَّ أُخِذَ مِنْهُ وَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ إلَّا أَنْ يَحُجَّ.

[فِيمَنْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَارِثٌ]

ٌ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَارِثٌ؟

قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: الْوَصِيَّةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>