للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَخَاصَمَهُ فِي ذَلِكَ فَمَنَعَهُ الْوَاهِبُ الْهِبَةَ، فَرَفَعَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ إلَى السُّلْطَانِ، فَدَعَاهُ الْقَاضِي بِبَيِّنَتِهِ وَأَوْقَفَ الْهِبَةَ حَتَّى يَنْظُرَ فِي حُجَّتِهِمَا فَمَاتَ الْوَاهِبُ. قَالَ: أَرَاهَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ إذَا أَثْبَتَ بَيِّنَتَهُ، لِأَنِّي سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ - وَكُتِبَ إلَيْهِ مِنْ بَعْضِ الْبَلَدَانِ وَأَرَاهُ بَعْضَ الْقُضَاةِ - فِي رَجُلٍ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ فَفَلِسَ الْمُبْتَاعُ، فَقَامَ الْغُرَمَاءُ عَلَيْهِ وَقَامَ صَاحِبُ الْغُلَامِ فَرَفَعَ أَمْرَهُ إلَى السُّلْطَانِ فَأَوْقَفَ السُّلْطَانُ الْغُلَامَ لِيَنْظُرَ فِي أُمُورِهِمْ وَبَيِّنَاتِهِمْ، فَمَاتَ الْمُفْلِسُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْغُلَامَ الْبَائِعُ فَكَتَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ: أَمَّا إذَا قَامَ يَطْلُبُ الْعَبْدَ وَأُوقِفَ الْعَبْدُ لِيَنْظُرَ الْقَاضِي فِي بَيِّنَتِهِ فَمَاتَ الْمُشْتَرِي، فَأَرَى الْبَائِعَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى مَاتَ الْمُشْتَرِي، فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُك فِي الْهِبَةِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ هِبَتَهُ إذَا كَانَ أَوْقَفَهَا السُّلْطَانُ

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ وَهَبَهَا - وَهُوَ صَحِيحٌ - فَلَمْ يَقُمْ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَلَى أَخْذِهَا حَتَّى مَرِضَ الْوَاهِبُ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى لَهُ مِنْهَا شَيْئًا وَلَا يَجُوزُ قَبْضُهُ الْآنَ حِينَ مَرِضَ الْوَاهِبُ، لِأَنَّهُ قَدْ مَنَعَهُ هِبَتَهُ حَتَّى أَنَّهُ لَمَّا مَرِضَ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ يَدِ صَاحِبِهَا بِلَا وَصِيَّةٍ فِيهَا وَهُوَ يَسْتَمْتِعُ بِهَا فِي الصِّحَّةِ فَيُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَهَا الْآنَ فِي مَرَضِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ. أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ مَرِضَ: لَوْ كُنْت حُزْتِيهِ كَانَ لَك وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ الْوَارِثِ. فَلَمْ يَرَ أَبُو بَكْرٍ قَبْضَهَا فِي الْمَرَضِ جَائِزًا لَهَا، وَلَمْ يَرَ أَنْ يَسَعَهُ أَنْ يَدْفَعَ ذَلِكَ إلَيْهَا إذَا لَمْ تَقْبِضْهَا فِي صِحَّةٍ مِنْهُ.

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ وَهَبَ رَجُلٌ جَارِيَةً يَرَى أَنَّهُ إنَّمَا وَهَبَهَا لِلثَّوَابِ، فَأَعْتَقَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ أَوْ دَبَّرَهَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا أَوْ كَاتَبَهَا؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ جَازَ هَذَا كُلُّهُ وَكَانَتْ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا يُمْنَعُ صَاحِبُ الْبَيْعِ.

[الرَّجُلِ يَهَبُ لِلرَّجُلِ دَارًا فَيَبْنِي فِيهَا]

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ وَهَبْت لِرَجُلٍ دَارًا فَبَنَى فِيهَا بُيُوتًا، أَوْ وَهَبْت لَهُ أَرْضًا فَغَرَسَ فِيهَا شَجَرًا، فَأَبَى الْمَوْهُوبُ لَهُ أَنْ يُثِيبَنِي أَتَرَى مَا صَنَعَ فِيهَا فَوْتًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ، وَتَكُونُ لَهُ الْأَرْضُ وَتَكُونُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ؟ قَالَ: نَعَمْ.، أَرَاهُ فَوْتًا وَتَلْزَمُهُ الْهِبَةُ بِقِيمَتِهَا، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الْبَيْعِ الْحَرَامِ فِي الْأَرْضِينَ وَالدُّورِ.

قَالَ مَالِكٌ: لَا يَكُونُ فِيهَا فَوْتٌ إلَّا أَنْ يَهْدِمَ أَوْ يَبْنِيَ فِيهَا أَوْ يَغْرِسَ فِي الْأَرْضِينَ. قُلْت: فَإِنْ قَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ إنَّمَا أَقْلَعُ بُنْيَانِي أَوْ غَرْسِي وَأَدْفَعُ إلَيْهِ أَرْضَهُ وَدَارَهُ؟

قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا. قُلْت: وَكَذَلِكَ مُشْتَرِي الْحَرَامِ إذَا قَالَ: أَنَا أَنْقُضُ بُنْيَانِي وَأَقْلَعُ غَرْسِي وَلَا أُرِيدُ الدَّارَ وَأَنَا أَرُدُّهَا، أَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَلَا تَكُونُ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ فِيهِ: إنْ شَاءَ هَدَمَ بُنْيَانَهُ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ الْقِيمَةَ وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ فَاتَ بِمَنْزِلَةِ النَّمَاءِ وَالنُّقْصَانِ فِي الثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ وَالْهِبَةُ مِثْلُ الْبَيْعِ سَوَاءٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>