للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ فِي الزِّنَا وَالْحُدُودِ]

ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَجُلٍ: سَمِعْتُ فُلَانًا يَشْهَدُ أَنَّك زَانٍ، أَيُحَدُّ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَجُلٍ: إنَّ فُلَانًا يَقُولُ لَكَ: يَا زَانِي. إنَّهُ إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا قَالَ لَهُ ذَلِكَ بَرِئَ، وَإِلَّا أُقِيمَ عَلَى هَذَا الْقَائِلِ الْحَدُّ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَمَّا هَذَا الَّذِي يَقُولُ سَمِعْتُ فُلَانًا يَشْهَدُ أَنَّكَ زَانٍ، فَإِنَّهُ يُضْرَبُ الْحَدَّ عِنْدِي إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا قَالَ وَذَكَرَ. قُلْتُ: وَالْبَيِّنَةُ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِمْ إنْ قَالُوا: نَحْنُ نُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الْقَوْمَ أَشْهَدُونَا؟

قَالَ: إنْ أَقَامُوا الْبَيِّنَةَ أَرْبَعَةٌ سِوَاهُمْ عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ أَشْهَدُوهُمْ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الشُّهُودِ الْأَوَّلِينَ، وَيُرْجَمُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَوْ يُجْلَدُ إنْ كَانَ بِكْرًا.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ شَهَادَةَ السَّمَاعِ، هَلْ يُجِيزُهَا مَالِكٌ؟

قَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ سَمِعَ رَجُلًا يَقْذِفُ رَجُلًا وَالْمَقْذُوفُ غَائِبٌ أَتَرَى أَنْ يَشْهَدَ لَهُ؟

قَالَ: نَعَمْ يَشْهَدُ لَهُ إذَا كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ.

قُلْتُ: لَيْسَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ عَلَى السَّمَاعِ إنَّمَا الشَّهَادَةُ عَلَى السَّمَاعِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ يَمُرُّ الرَّجُلُ بِالرَّجُلِ فَيَسْمَعُهُ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَلَمْ يُشْهِدْهُ، ثُمَّ يَحْتَاجُ إلَى شَهَادَةِ هَذَا الْمَارِّ الَّذِي سَمِعَ مَا سَمِعَ وَلَمْ يَكُونُوا اسْتَشْهَدُوهُ. قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يَشْهَدَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَشْهَدَهُ الرَّجُلُ.

قُلْتُ: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟

قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا، وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلَيْنِ يَتَنَازَعَانِ فِي الْأَمْرِ فَيُقِرُّ بَعْضُهُمَا الْبَعْضَ بِالشَّيْءِ، فَيَمُرُّ بِهِمَا الرَّجُلُ فَيَسْمَعُهُمَا يَتَكَلَّمَانِ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يُحْضِرَاهُ لِلشَّهَادَةِ وَلَمْ يُشْهِدَاهُ، أَتَرَى لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِمَا؟

قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَشْهَدُ عَلَيْهِمَا. قَالَ: فَقِيلَ لِمَالِكٍ: فَالرَّجُلَانِ يُحْضِرُهُمَا الرَّجُلَانِ فِي الْأَمْرِ بَيْنَهُمَا وَيَقُولَانِ لَهُمَا: لَا تَشْهَدَا عَلَيْنَا بِأَشْيَاءَ فَإِنَّا نَتَقَارُّ بِأَشْيَاءَ، فَيَتَكَلَّمَانِ فِيمَا بَيْنهمَا وَيُقِرَّانِ بِأَشْيَاءَ ثُمَّ يَفْتَرِقَانِ، ثُمَّ يَجْحَدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَيُرِيدَانِ أَنْ يُشْهِدَا فِيمَا بَيْنَهُمَا، أَتَرَى لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا؟

قَالَ: أَرَى أَنْ لَا يَعْجَلَا وَأَنْ يُكَلِّمَاهُمَا، فَإِنْ أَصَرَّا عَلَى ذَلِكَ وَجَحَدَا رَأَيْتُ أَنْ يَشْهَدَا عَلَيْهِمَا قَالَ: فَقُلْتُ لِمَالِكٍ: فَالرَّجُلُ يَسْمَعُ الرَّجُلَ يَقْذِفُ الرَّجُلَ، أَتَرَى أَنْ يَشْهَدَ لَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ إذَا كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ. فَهَذَا مَا قَالَ لَنَا مَالِكٌ فِي هَذَا.

وَمِمَّا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ مَالِكًا لَا يَرَى شَهَادَةَ السَّمَاعِ الَّتِي وَصَفْتُ لَكَ إذَا لَمْ يُشْهِدَاهُ، أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الَّذِي مَرَّ فَسَمِعَ رَجُلًا يُنَازِعُ رَجُلًا، وَيُقِرُّ بَعْضُهُمَا بِشَيْءٍ لِبَعْضٍ وَلَمْ يُحْضِرَاهُ لِذَلِكَ وَلَمْ يُشْهِدَاهُ أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ لَا يَشْهَدَ، فَكَذَلِكَ إذَا سَمِعَ رَجُلًا يَشْهَدُ عَلَى رَجُلٍ فَهُوَ سَوَاءٌ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَرَى أَنَّ رَجُلًا اسْتَقْصَى فِي مِثْلِ هَذَا سَمَاعَ مَا يَتَقَارَّ بِهِ الرَّجُلَانِ بَيْنَهُمَا أَوْ يَتَذَاكَرَانِهِ مِنْ أَمْرِهِمَا، فَشَهِدَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمَا وَاسْتَقْصَاهُ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدَاهُ، فَأَرَى أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ مِثْلَ مَا وَصَفْتُ لَك. وَإِنَّمَا الَّذِي كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَجُزْ مَا مَرَّ بِهِ الرَّجُلُ مِنْ كَلَامِ الرَّجُلِ فَسَمِعَهُ وَلَا يَدْرِي مَا كَانَ قَبْلَهُ وَلَا مَا يَكُونُ بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا بَعْضُ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ بَعْضٍ، فَهَذَا الَّذِي

<<  <  ج: ص:  >  >>