للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِسَرِقَةٍ لَا قَطْعَ فِيهَا، لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ إنَّهُ لَا يَصَدَّقُ عَلَى سَيِّدِهِ. وَإِنْ أُعْتِقَ يَوْمًا مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ وَلَمْ يُتْبَعْ مِنْهُ بَعْدَ الْعِتْقِ بِشَيْءٍ. وَأَصْلُ هَذَا كُلِّهِ أَنْ يُنْظَرَ إلَى كُلِّ مَا يَلْزَمُ رَقَبَتَهُ مِنْ فِعْلِهِ، فَإِذَا هُوَ أَقَرَّ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةٌ فَلَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ، فَإِنَّهُ لَا يُتْبَعُ مِنْ ذَلِكَ بِقَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ بِمَا كَانَ يَلْزَمُ السَّيِّدَ، فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ثَبَتَ عَلَى السَّيِّدِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ عَبْدًا أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَ وَلِيَّ رَجُلٍ عَمْدًا، فَقَالَ الَّذِي لَهُ الدَّمُ: أَنَا أَعْفُو عَنْ هَذَا الْعَبْدِ وَأَسْتَحْيِيهِ؟ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، إنَّمَا لَهُ أَنْ يَقْتُلَ. فَإِنْ عَفَا عَلَى أَنَّهُ يَسْتَحْيِيهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ شَيْءٌ، وَكَذَلِكَ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ. قُلْتُ: وَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُ: إذَا كُنْتُمْ لَا تُجِيزُونَ لِي هَذَا فَأَنَا عَلَى حَقِّي أَقْتُلُهُ؟

قَالَ: نَعَمْ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُظَنُّ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ. وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ يَقْتُلُ الْحُرَّ فَيَعْفُو وَلِيُّهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ الدِّيَةَ، فَيَأْبَى أَنْ يُعْطِيَهُ الدِّيَةَ فَيَكُونُ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.

قُلْتُ: فَإِنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ، فَقَالَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ: أَنَا أَعْفُو عَنْ قَطْعِ يَدِهِ وَلَا أَرْفَعُهُ إلَى السُّلْطَانِ وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ الَّتِي أَقَرَّ لِي بِهَا؟ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَلَا يَكُونُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ: عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّهُ قَالَ فِي اعْتِرَافِ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ بِالسَّرِقَةِ أَوْ الْقَتْلِ: إنْ كَانَ اُسْتُرْهِبَ أَوْ اُمْتُحِنَ فَكَانَ اعْتِرَافُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّا لَا نَرَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ قَتْلًا وَلَا قَطْعًا. وَأَمَّا مَا اعْتَرَفَ بِهِ طَائِعًا غَيْرَ مُخَوَّفٍ وَلَا مُسْتَرْهَبٍ، فَاعْتَرَفَ أَنَّهُ أَتَى ذَلِكَ عَمْدًا فَإِنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ بِسَرِقَتِهِ، وَيُقْتَلُ بِمِنْ قَتَلَ إنْ كَانَ قَتَلَ عَمْدًا، وَإِنْ قَالَ قَتَلْتُهُ خَطَأً فَإِنَّا لَا نَرَى أَنْ يُصَدَّقَ ذَلِكَ.

قَالَ يُونُسُ: وَقَالَ رَبِيعَةُ: كُلُّ مُعْتَرِفٍ لَا يُرَى مِنْهُ مَا يُصَدَّقُ بِهِ اعْتِرَافُهُ فَهُوَ مَوْقُوفٌ، يُسْتَأْنَى بِهِ حَتَّى يُنْظَرَ فِي اعْتِرَافِهِ، ثُمَّ لَا يُؤْخَذُ بِشُبْهَةٍ وَلَا يُتْرَكُ بَعْدَ يَقِينٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ دَمًا أَوْ جُرْحًا يَسْتَحِقُّهُ أَهْلُ الدَّمِ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِأَيْمَانِهِمْ أَوْ صَاحِبُ الْجُرْحِ بِيَمِينِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ الدَّمُ وَالْجُرْحُ فِيمَا يُدَّعَى عِنْدَ الْعَبْدِ كَالسَّرِقَةِ.

قَالَ يُونُسُ: وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ فِي الْمَمْلُوكِ أَوْ الْمُكَاتَبِ يَعْتَرِفُ عَلَى نَفْسِهِ بِقَتْلِ عَمْدٍ، قَالَ: إنْ جَاءَ بِأَمْرٍ بَيِّنٍ يُعْلِمُ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ أُخِذَ بِذَلِكَ وَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَإِنْ كَانَ اعْتَرَفَ عَنْ امْتِحَانٍ امْتَحَنَهُ أَوْ تَفْرِيقٍ فَرَّقَهُ أَوْ أَمْرٍ زَلَّ بِهِ لِسَانُهُ لَمْ يُؤْخَذْ فِي أَمْرِ ذَلِكَ بِشَيْءٍ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُؤْخَذْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَمَا اعْتَرَفَ فِي ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ مِمَّا يَغْرَمُ أَهْلُهُ فِيهِ فَهُوَ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ. قَالَ: وَالسَّرِقَةُ مِثْلُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَا قَالَ حَقًّا، فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُوجَدَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ وَاعْتَرَفَ بِهِ عَلَى مَا وَصَفْتُ لَكَ فَيُؤْخَذُ بِذَلِكَ.

قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ قَالَ: سَمِعْتُ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ عِلْمٍ يَقُولُونَ: مَضَتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اعْتِرَافُ الْمَمْلُوكِ عَلَى نَفْسِهِ بِشَيْءٍ إذَا أَدْخَلَ عَلَى سَيِّدِهِ غُرْمًا حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ مَعَ قَوْلِهِ إلَّا الْحَدَّ، يَلْفِظُهُ ثُمَّ يُقِرُّ بِهِ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ وَيُقَامُ عَلَيْهِ. وَاعْتِرَافُهُ بِالشَّيْءِ يُعَاقَبُ بِهِ فِي جَسَدِهِ مِنْ قَوَدٍ أَوْ قَطْعٍ أَوْ قَتْلٍ فِي قَوْلِ مَالِكٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>