للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ مَالِكٌ: لَا يُؤْكَلُ لِأَنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا مَاتَ مِنْ نَهْشِهَا، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ قَدْ ذَكَّاهُ وَحَيَاتُهُ فِيهِ مُجْتَمِعَةٌ قَبْلَ أَنْ تُنْفِذَ مَقَاتِلَهُ الْكِلَابُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الَّذِي يَذْبَحُ ذَبِيحَتَهُ فَتَسْقُطُ فِي الْمَاءِ بَعْدَمَا ذَبَحَهَا أَوْ تَتَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا.

قَالَ: وَقَالَ لِي مَالِكٌ فِي الَّذِي يَذْبَحُ ذَبِيحَتَهُ فَيَقْطَعُ مِنْهَا بَضْعَةً قَبْلَ أَنْ تَزْهَقَ نَفْسُ الذَّبِيحَةِ، قَالَ مَالِكٌ: بِئْسَ مَا صَنَعَ، وَأَكْلُ تِلْكَ الْبَضْعَةِ حَلَالٌ فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ الَّذِي تَرَكَ الْكِلَابَ تَصْنَعُ بِصَيْدِهَا مَا صَنَعَتْ أَنَّهُ بِئْسَ مَا صَنَعَ وَأَكْلُهَا حَلَالٌ إذَا كَانَ ذَكَّاهُ وَهُوَ يَسْتَيْقِنُ بِحَيَاتِهِ قَبْلَ أَنْ تُنْفِذَ الْكِلَابُ مَقَاتِلَهُ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يُرْسِلُ كَلْبَهُ أَوْ بَازَهُ عَلَى الصَّيْدِ فَيَطْلُبُهُ سَاعَةً ثُمَّ يَرْجِعُ الْكَلْبُ، ثُمَّ يَعُودُ فِي الطَّلَبِ فَيَأْخُذُ الصَّيْدَ فَيَقْتُلُهُ، أَيُؤْكَلُ أَمْ لَا وَهَلْ تَرَى رُجُوعَهُ عَنْ صَيْدِهِ قَطْعًا لِإِرْسَالِهِ أَمْ لَا؟

قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَأَرَى إنْ كَانَ إنَّمَا ضَلَّ عَنْهُ صَيْدُهُ فَعَطَفَ الْكَلْبُ أَوْ الْبَازُ كَمَا تَصْنَعُ الْجَوَارِحُ إذَا ضَلَّ عَنْهَا صَيْدُهَا، طَلَبَتْهُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَعَطَفَتْ كُلَّ ذَلِكَ فِي الطَّلَبِ، فَهِيَ عَلَى إرْسَالِهَا مَا دَامَتْ بِهَذِهِ الْحَالِ، فَأَمَّا إنْ مَرَّ الْكَلْبُ بِكَلْبٍ مِثْلِهِ. فَوَقَفَ يَشُمُّهُ، وَمَرَّ عَلَى جِيفَةٍ فَوَقَفَ يَأْكُلُ مِنْهَا أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا، أَوْ يَكُونُ الطَّيْرُ عَجَزَ عَنْ صَيْدِهِ فَيَسْقُطُ عَلَى مَوْضِعٍ أَوْ عَطَفَ رَاجِعًا لَمَّا عَجَزَ عَنْ صَيْدِهِ، فَهَذَا تَارِكٌ لِمَا أُرْسِلَ فِيهِ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ الْإِرْسَالِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ كَانَ لَمَّا عَطَفَ رَاجِعًا تَارِكًا لِلطَّلَبِ أَبْصَرَ ذَلِكَ الصَّيْدَ فَطَلَبَهُ أَوْ لَمَّا رَجَعَ عَاجِزًا عَنْ صَيْدِهِ تَارِكًا لِلطَّلَبِ نَظَرَ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَطَلَبَهُ، فَهَذَا ابْتِدَاءٌ مِنْهُ وَلَيْسَ بِإِرْسَالٍ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْكِلَابِ وَلَمْ أَسْمَعْ هَذَا مِنْ مَالِكٍ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الصَّيْدَ إذَا رَمَاهُ رَجُلٌ فَأَثْخَنَهُ حَتَّى صَارَ لَا يَسْتَطِيعُ الْفِرَارَ، فَرَمَاهُ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَتَلَهُ أَيُؤْكَلُ أَمْ لَا؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُؤْكَلُ، قُلْتُ: فَقَدْ صَارَ هَذَا عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةِ الشَّاةِ لَا تُؤْكَلُ إلَّا بِذَكَاةٍ؟

قَالَ: نَعَمْ لِأَنَّ هَذَا قَدْ صَارَ أَسِيرَهُ، قُلْتُ: فَهَلْ يَضْمَنُهُ هَذَا الَّذِي رَمَاهُ فَقَتَلَهُ لِلْأَوَّلِ أَمْ لَا؟

قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا أَوْ أَرَاهُ ضَامِنًا.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَرْمِي الصَّيْدَ وَهُوَ فِي الْجَوِّ فَيُصِيبُهُ فَيَقَعُ إلَى الْأَرْضِ فَيُدْرِكُهُ مَيِّتًا، فَيَنْظُرُ فَإِذَا سَهْمُهُ لَمْ يُنْفِذْ مَقَاتِلَهُ أَيَأْكُلُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَأْكُلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مِنْ أَيِّ ذَلِكَ مَاتَ أَمِنَ السَّقْطَةِ أَمْ مِنْ السَّهْمِ؟

قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ الصَّيْدُ يَكُونُ فِي الْجَبَلِ فَيَرْمِيهِ الرَّجُلُ فَيَتَرَدَّى مِنْ الْجَبَلِ فَيَمُوتُ، قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَأْكُلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَنْفَذَ مَقَاتِلَهُ بِالرَّمْيَةِ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَطْلُبُ الصَّيْدَ فَيُخْرِجُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ دَارَ قَوْمٍ، فَيَأْخُذُهُ أَهْلُ الدَّارِ أَوْ يَأْخُذُهُ الَّذِي طَلَبَهُ فِي دَارِ الْقَوْمِ، لِمَنْ يَكُونُ؟ وَكَيْفَ إنْ قَالَ رَبُّ الدَّارِ دَخَلَ الصَّيْدُ دَارِي قَبْلَ أَنْ يَقَعَ لِي مِلْكُكَ أَيُّهَا الطَّالِبُ، فَقَدْ صَارَ مَا فِي دَارِي لِي وَقَالَ الطَّالِبُ أَخَذْتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ فِي مِلْكِكَ يَا صَاحِبَ الدَّارِ، لِأَنَّ مَا دَخَلَ دَارَكَ لَيْسَ بِمِلْكٍ لَك وَإِنْ كَانَ لَا مَالِكَ لَهُ مَا الْقَوْلُ فِي هَذَا؟

قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا إلَّا أَنِّي أَرَى إنْ كَانَ الْكِلَابُ أَوْ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي اضْطَرَّهُ وَرَهِقَهُ لَأَخْذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>