للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَغِيبَ الشَّفَقُ ثُمَّ يُصَلِّي بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ.

قُلْتُ: فَإِنْ وَجَدَهُمْ قَدْ صَلَّوْا الْمَغْرِبَ وَلَمْ يُصَلُّوا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ فَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُمْ الْعِشَاءَ وَقَدْ كَانَ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي بَيْتَهُ لِنَفْسِهِ؟

قَالَ: لَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُمْ.

قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ هِلَالٍ حَدَّثَهُ أَنَّ ابْنَ قُسَيْطٍ حَدَّثَهُ: إنَّ جَمْعَ الصَّلَاتَيْنِ بِالْمَدِينَةِ فِي لَيْلَةِ الْمَطَرِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ سُنَّةٌ، وَأَنْ قَدْ صَلَّاهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ عَلَى ذَلِكَ وَجَمْعُهُمَا أَنَّ الْعِشَاءَ تَقْرُبُ إلَى الْمَغْرِبِ حِينَ يُصَلَّى الْمَغْرِبُ وَكَذَلِكَ أَيْضًا يُصَلُّونَ بِالْمَدِينَةِ.

قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمِ وَسَالِمٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةَ وَأَبِي الْأَسْوَدِ مِثْلَهُ، قَالَ سَحْنُونٌ: وَإِنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَمَعَهُمَا جَمِيعًا.

[جَمْعِ الْمَرِيضِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ]

فِي جَمْعِ الْمَرِيضِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرِيضِ الَّذِي يَخَافُ أَنْ يُغْلَبَ عَلَى عَقْلِهِ: إنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَلَا يُصَلِّيهِمَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَيُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ وَيُصَلِّي الْعِشَاءَ مَعَ الْمَغْرِبِ. وَرَأَى مَالِكٌ لَهُ فِي ذَلِكَ سَعَةً إذَا كَانَ يَخَافُ أَنْ يُغْلَبَ عَلَى عَقْلِهِ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرِيضِ إذَا كَانَ أَرْفَقَ بِهِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ جَمَعَ بَيْنِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَسَطِ وَقْتِ الظُّهْرِ إلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ يُغْلَبَ عَلَى عَقْلِهِ فَيَجْمَعَ قَبْلَ ذَلِكَ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَيَجْمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ عِنْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ إلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ يُغْلَبَ عَلَى عَقْلِهِ فَيَجْمَعَ قَبْلَ ذَلِكَ عِنْدَمَا تَغِيبُ الشَّمْسُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْبَطْنِ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْمَرَضِ أَوْ صَاحِبِ الْعِلَّةِ الشَّدِيدَةِ الَّتِي تَضُرُّ بِهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ، وَيَكُونُ هَذَا أَرْفَقَ بِهِ أَنْ يَجْمَعَهُمَا لِشِدَّةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ.

قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمْعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي غَيْرِ سَفَرٍ وَلَا خَوْفٍ، وَقَدْ جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا فِي السَّفَرِ وَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، فَالْمَرِيضُ أَوْلَى بِالْجَمْعِ لِشِدَّةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلِخِفَّتِهِ عَلَى الْمُسَافِرِ، وَإِنَّمَا الْجَمْعُ رُخْصَةٌ لِتَعَبِ السَّفَرِ وَمُؤْنَتِهِ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ، فَالْمَرِيضُ أَتْعَبُ مِنْ الْمُسَافِرِ وَأَشَدُّ مُؤْنَةً لِشِدَّةِ الْوُضُوءِ عَلَيْهِ فِي الْبَرْدِ، وَلِمَا يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْهُ لِمَا يُصِيبُهُ مِنْ بَطْنٍ مُنْخَرِقٍ أَوْ عِلَّةٍ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ بِهَا التَّحَرُّكُ وَالتَّحْوِيلُ، وَلِقِلَّةِ مَنْ يَكُونُ لَهُ عَوْنًا عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ أَوْلَى بِالرُّخْصَةِ وَهِيَ بِهِ أَشْبَهُ مِنْهَا بِالْمُسَافِرِ، وَقَدْ جَمَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الْمَطَرِ لِلرِّفْقِ بِالنَّاسِ سُنَّةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَالْخُلَفَاءِ، فَالْمَرِيضُ أَوْلَى بِالرِّفْقِ لِمَا يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>