للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَجْهَل مِنْك. قَالَ: فَقلت وَكَيف ذَاك؟ قَالَ يَا جَاهِل: أَيْن اشتكت عَيْني؟ . قلت: لَا أَدْرِي. قَالَ: بِمصْر. قَالَ: فَأَقْبَلت على تِلْكَ الْجَمَاعَة فَقَالُوا: صدق الرجل أَنْت جَاهِل وهموا بِي. قَالَ: فَقلت لَا وَالله مَا علمت أَن عينه اشتكت بِمصْر. قَالَ: فَمَا تخلصت مِنْهُم إِلَّا بِهَذِهِ الْحجَّة. فَضَحِك الْمَأْمُون وَقَالَ: مَا ألقيت مِنْك الْعَامَّة. قَالَ الَّذِي لقِيت من اللَّهِ من سوء الثَّنَاء وقبح الذّكر أَكثر، قَالَ أجل.

(ذكر حلم الْمَأْمُون ومحاسن أَفعاله وَمَكَارِم أخلاقه)

قَالَ ابْن أبي طَاهِر: بَلغنِي أَن الْمَأْمُون قَالَ: إِنِّي لألذ الْحلم حَتَّى أحسبني لَا أوجر عَلَيْهِ. وَقَالَ قَاسم التمار: قَالَ الْمَأْمُون: لَيْسَ على فِي الْحلم مؤونة ولوددت أَن أهل الجرائم علمُوا رَأْيِي فِي الْعَفو فَذهب عَنْهُم الْخَوْف فتخلص لي قُلُوبهم.

وَقَالَ جَعْفَر ابْن أُخْت الْعَبَّاس وَذكر حلم الْمَأْمُون فَقَالَ: لحلمه وَالله أرجح من حلوم ألف كلهم حَلِيم لَيْسَ فيهم ملك وَلَا خَليفَة ثمَّ أنشأ يحدثنا فَقَالَ: دخلت عَلَيْهِ أمس وَإِذا يَده معلقَة من شَيْء رطب أكله قد مسته النَّار وَهُوَ يَصِيح يَا غُلَام وَكلهمْ يسمع صَوته فَمَا مِنْهُم أحد يجِيبه فَخرجت إِلَيْهِم وَأَنا أفور غَضبا فَإِذا بَعضهم يلْعَب بالكعاب، وَبَعض يلْعَب بالشطرنج، وَبَعض يحارش بَين الديوك. فَقلت يَا بني الفواعل: أما تَسْمَعُونَ أَمِير الْمُؤمنِينَ يدعوكم؟ فَقَالَ وَاحِد: حَتَّى أَقيس هَذَا الكعب وأجئ،: وَقَالَ الآخر قد بقيت لي على هَذَا ضَرْبَة، وَقَالَ آخر: أذهب فَإِنِّي أتبعك. فَمَا علمت مَا كنت أخاطب بِهِ من الغيظ والحنق عَلَيْهِم. قَالَ: فَإِذا الْمَأْمُون قد صَوت بِي وَأَنا أقذف أمهاتهم فَأَتَيْته وَهُوَ يضْحك فَقَالَ: أرْفق بهم فأنهم بشر مثلك قَالَ قلت: والعق أَنْت يدك. فَضَحِك وَقَالَ هَذَا معاشرتك خدمك؟ قَالَ قلت: وَالله لَو فعل بِي ابْني هَذَا دون خدمي لقتلته. قَالَ: هَذِه أَخْلَاق السوقة وأخلاقنا أَخْلَاق الْمُلُوك. قَالَ قلت: لَا وَالله مَا هَذِه أَخْلَاق الْمُلُوك وَلَا أَخْلَاق الْأَنْبِيَاء أَيْضا.

<<  <   >  >>