للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: ودخل يوماً على رجل قد عزل عن عمل كان يتولاه. فقال: لئن قبحت عليك النعمة، لقد حسنت بك النقمة! قال: ولم ذاك؟ قال: لأني سألتك أحقر من قدرك، فرددتني بأقبح من وجهك، ثم قال:

قُل لزيد بن صاعدٍ ... جاءك العزل في لطف

فاجرع الهمّ واصطبر ... فعلى ربّك الخلف

أنت أيضاً إذا ولي ... ت فلا تُكثر الصلف

قال: اجتاز ابن بدر بأبي العيناء وهو على بابه جالس. فقال: هذا منزلك أبا عبد الله؟ قال: نعم! فإن شئت أن ترى سوء أثرك فيه، فانزل! قال: ومر بدار عبد الله بن منصور يوماً وهو مريض وقد صح، فقال لغلامه: أي شيء خبر أبي محمد؟ قال: كما تحب! قال: فما لي لا أسمع الصراخ في الدار؟ قال: وذكر أبو العيناء ميمون بن إبراهيم، فقال: لو تأمل رجل أفعاله فاجتنبها، لاستغنى عن الآداب أن يطلبها! قال أبو العيناء: قال لي محمد بن مكرم: أما تعرفني؟ قلت: بلى، ولكن معرفة أرثي لك منها! وقال له محمد بن مكرم يوماً: يا أبا عبد الله، كل شيء لك من الناس حتى أولادك! وقال أبو العيناء: رأيت ابن مكرم، فرأيت بطنه بطن حبلى، ونفسه نفس ولهى، ومخاطه مخاط ثكلى، وفي استه الداهية العظمى! وقال له ابن مكرم يوماً: يا أبا عبد الله، هو ذا تصوم معنا في هذا الشهر شيئاً، وكان شهر رمضان. فقال: وتدعنا العجوز نصوم؟ قال رجل لعبيد الله بن سليمن: إن رأيت، أعزك الله، أن تخرج لي رزقاً. فقال: ممن الرجل ليخرج الرزق على قدر ذاك. قال من ولد آدم! قال أبو العيناء: احتفظ، أعزك الله، بهذا النسب، فقد انقطع أصله! قال: اجتمع الجاحظ وأبو العيناء عند الحسن بن وهب، فقال له الجاحظ: علمت أن محمد بن عبد الله أحسن من عمرو بن بحر، وأبو عبد الله أحسن من أبي عثمان. ولكن الجاحظ أحسن من أبي العيناء. فقال أبو العيناء: هيهات! جئت إلى ما يخفى من أمورنا، ففضلتني عليك فيه، وإلى ما يعرف، ففضلت نفسك فيه. إن أبا العيناء يدل على كنية، والجاحظ يدل على عاهة! والكنية وإن سمجت، أصلح من العاهة وإن فلحت! قال أبو العيناء: عشقتني امرأة بالبصرة من غير أن تراني، وإنما كانت تسمع عذوبة كلامي. فلما رأتني استقبحتني، وقالت قبحه الله، أهذا هو؟ فكتبت إليها:

ونبّئتها، لما رأتني، تنكّرت ... وقالت: دميمٌ، أحولٌ، ما له جسم

فإن تنكري مني احولالاً فإنني ... أديب، أريب، لا عييٌّ ولا فدم

فوقعت في الرقعة: يا عاض بظر أمه، لديوان الرسائل أردتك؟ ولأبي العيناء، في علي بن الجهم:

أراد عليٌّ أن يقول قصيدة ... بمدح أمير المؤمنين، فأذّنا

فقلت له: لا تعجلن بإقامة ... فلست على طهرٍ، فقال: ولا أنا

قال أبو العيناء: أتيت عبد الله بن داود الخريبي، فسألته أن يحدثني، فاستصغرني، وقال: إذهب فتحفظ القرآن. قلت: قد حفظته. قال: إقرأ من رأس ستين من يونس، فقرأت العشر. فقال: أحسنت، إذهب فتعلم الفرائض. قلت: قد حفظتها. قال: فأيهما أقرب إليك: عمك أو ابن أخيك؟ قلت: ابن أخي. قال ولم ذاك؟ قلت: لأن هذا من ولد أبي وهذا من ولد جدي. قال: أحسنت. إذهب فتعلم العربية. قلت: قد فعلت وتعلمت منها ما فيه كفاية. قال: فلم قال عمر بن الخطاب، يعني حين طعن: يا لله، يا للمسلمين. قلت: لن الأول استغاثة، والثاني نداء. فقال: لو كنت محدثاً أحداً في سنك، لحدثتك!

<<  <   >  >>