للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويمضي الأمير أبو أحمدٍ ... ويضرب بالطبل كردم كدم

قال: وخرجت بثرة على قدم بدر غلامه، فأخبر بذلك، فاغتم. فلما كان بعد عتمة، خرج إلى حجرته عائداً له، وقال:

عدته بعد العتم ... لعلةٍ حادثة على القدم

مضيت أمشي في الظلم ... وحدي فلا خلقٌ علم

وله:

رمضان أتاك بخزم مقر ... فاقعدن خلف بابكنّ وتكسر

لنيتن ببستان سرهك فيه ... يأكل اللحم بارداً حين يشطر

والرثيثا والجند معه دقوقا ... والطلعلع وقشر البيض الأحمر

[دير العذارى]

وهذا الدير أسفل الحظيرة، على شاطىء دجلة. وهو دير حسن عامر، حوله البساتين والكروم، وفيه جميع ما يحتاج إليه. ولا يخلو من متنزه يقصده للشرب واللعب. وهو من الديارات الحسنة، وبقعته من البقاع المستطابة.

وإنما سمي بدير العذارى، لأنه فيه جوار متبتلات عذارى، هن سكانه وقطانه، فسمي الدير بهن.

وذكر يموت بن المزرع، عن الجاحظ، قال: حدثني ابن فرج الثعلبي، أن قوماً من بني ثعلب، أرادوا قطع الطريف على مال السلطان فأتتهم المعانية، فأعلمتهم أن السلطان قد نذر بهم، فساروا ثم أزمعوا على الاستخفاء وقع حوافر الخيل في طلبهم. فلما أمنوا وجاوزتهم الخيل، خلا كل واحد منهم بجارية هي عنده عذراء، فإذا القس قد فرغ منهم، فقال بعضهم في ذلك:

وألوط من راهبٍ يّدعي ... بأن النساء عليه حرام

يحرّم بيضاء ممكورةً ... ويغنيه في البضع عنها غلام

إذا ما مشى غض من طرفه ... وفي الدير بالليل منه عرام

ودير العذارى فضوحٌ لهنّ ... وعند اللصوص حديث تمام

وببغداد أيضاً دير يعرف بدير العذارى في قطيعة النصارى على نهر الدجاج. وسمي بذلك لأن لهم صوم ثلاثة قبل الصوم الكبير، يسمى صوم العذارى. فإذا انقضى الصوم اجتمعوا إلى هذا الدير فتعبدوا وتقربوا. وهو دير حسن طيب.

ولابن المعتز في دير العذارى المقدم ذكره:

خليلي قم حتى نموت من السكر ... بحانة خمار مماتاً بلا قبر

ونشرب من كرخيةٍ ذهبيةٍ ... ونصفح عن ذنب الحوادث والدهر

ألا ربّ أيام مضين حميدةً ... بدير العذارى والصوامع والقصر

وكم من ليال مسعدات لذي الهوى ... جسرت على اللذات فيهن بالجسر

خليلي فلا تطلب فلاحي وخلّني ... فما لي على لمتني فيه من صبر

ولبعضهم، فيه:

قام عذري في ظبي دير النصارى ... حين أبصرت عاشقيه حيارى

فتنةٌ عمّت الخلائق واستو ... لت على مسلميهم والنصارى

قال: ولما خرج عبيد الله بن عبد الله بن طاهر من بغداد إلى سر من رأى، وكان المعتز استدعاه، نزل هذا الدير، فأقام به يومين واستطابه وشرب فيه، ثم قال هذه الأبيات:

ما ترى طيب وقتنا يا سعيد ... زمنٌ ضاحكٌ وروض نضيد

ورياضٌ كأنهنّ برودٌ ... كل يوم لهن صبغ جديد

وكأن الشقيق فيها عشيق ... وكأن البهار صبٌّ عميد

وكأن الغصون ميلاً قدودٌ ... وكأن النوار فيها عقود

وكأن الثمار والورق الخض ... ر ثيابٌ من تحتهنّ نهود

فاسقنيها راحاً تريح من اله ... م وتبدي سرورنا وتعيد

واحثث الكأس يا سعيد فقد حثّ ... ك نايٌ لها وجرك عود

وافترع عذرةً اللذاذات في دي ... ر العذارى، فعلّها لا تعود

وعبيد الله من أحسن الناس أدباً وشعراً وتصرفاً في سائر العلوم، مع كرم نفس وحسن خلق.

ولما وصل عبيد الله في سفرته المذكورة إلى المعتز، أمره بالمقام عنده في ذلك اليوم، فأقام. قال عبيد الله: فأرسل المعتز إلى شارية أن تخرج، فتعاللت عليه، فقال: عندي من يحب أن يسمعك وأحب لك وله ذلك، ولا بد من حضورك. فخرجت فجلست خلف الستارة، ثم قالت: لولا الزائر ما جئنا. فأول صوت غنته:

غشيت المنازل بالأنعم ... كمنعرج الوشم في المعصم

ثم غنت بعده:

<<  <   >  >>