للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وراحٍ تريك إذا صفّقت ... سنا البرق في الليلة الماطره

ومحسنةٍ لم يخنها الصواب ... وزامرةٍ أيما زامره

فايت ولو كنت يا ابن الكرام ... وحاشاك من ذاك في الآخره

ألست أدري أين الفؤاد مقيماً ... يا مكان الفؤاد، أين الفؤاد؟

دفعته الأحشاء عما يليها ... فأذابته حرقةٌ واتقاد

وله:

نأيت فلم ينأ عنه الضّنى ... وعدت فعاد إلى نكسه

وفارقه الصبر في يومه ... لما فاته منك في أمسه

ومستوحشٍ آنسٍ بالبكاء ... على قلبه وعلى انسه

يرقّ هواه لأحشائه ... ويرثي له الشوق من نفسه

[دير الثعالب]

وهذا الدير ببغداد، بالجانب الغربي منها، بالموضع المعروف بباب الحديد. وأهل بغداد يقصدونه ويتنزهون فيه، ولا يكاد يخلو من قاصد وطارق. وله عيد لا يتخلف عنه أحمد من النصارى والمسلمين.

وباب الحديد، أعمر موضع ببغداد وأنزهه: لما فيه من البساتين والشجر والنخل والرياحين، ولتوسطه البلد وقربه من كل أحد. فليس يخلو من أهل البطالات، ولا يخل به أهل المتطرب واللذاذات. فمواطنه أبداً معمورة، وبقاعه بالمتنزهين مشحونة.

وقد قالت الشعراء في الدير وباب الحديد وقبرونيا، فأكثروا، ووصفوا حسن تلك المواضع فأطنبوا.

ولابن دهقانة الهاشمي، فيه:

دير الثعالب مألف الضّلال ... ومحلّ كل غزالةٍ وغزال

كم ليلة أحييتها ومنادمي ... فيها أثجّ مقطّع الأوصال

سمحٌ يجود بروحه فإذا مضى ... وقضى سمحت له وجدت بمالي

ونعم دين ابن مريم دينه ... غنجٌ يشوب مجونه بدلال

سقّيته وشربت فضلة كأسه ... فشربت من عذب المذاق زلال

وابن دهقانة هذا، من ولد إبراهيم ب محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، ويعرف بأبي جعفر محمد بن عمر. وله شعر مليح. وذكر جحظة أنه أنشده:

أحين قطعت لك الواصلين ... وجدت عليك ولم أبخل

غدرت وأظهرت لي جفوةً ... وجرت عليّ ولم تعدل؟

أأطمع في آخر من هواك ... ولم ترع لي حرمة الأول؟

وذكر جحظة، أنه كان والي البصرة في أيام الزنج، وأنه أخذ من الناجم بها ثلاثين ألف دينار، وسلم إليه البصرة. وكان جحظة يكثر المكث عنده ولا يغبه. قال: فتأخرت عنه في وقت من الأوقات، لعارض عرض لي، فوجه إي يدعوني، فكتبت إليه: أنا والله عليل!

وليس بتزويق اللسان وصوغه ... ولكنه قد خالط اللحم والدما

فوجه إلي بخمسين ديناراً وخلعة، وقال: هذا يزيل العلة، فبحياتي إلا جئتني! فمضيت إليه.

وذكر جحظة، أنه كان ينادم المعتمد والموفق، وكان عظيم الخلق، ثقيل الجسم، وكان إذا قام الخليفة ورجع، وقام الندماء، نام هو، وقال: هذا عوض القيام لما لم يكن يقدر عليه. وكان أكولاً، فكان يقول: قد أكلت حتى زمنت، وأريد آكل حتى أموت! ومن شعره:

فلو أن في جزعي راحةً ... لأصبحت أجزع من يجزع

سأصبر جهدي على ما ترى ... وإن عيل صبري، فما أصنع؟

وللناشىء، يذكر باب الحديد وقبرونيا:

ما جليدٌ يوم الندى بجليد ... بعدت والمزار غير بعيد

خبّرت عن ضميرها عبراتٌ ... صرن عوناً على الفؤاد العميد

يا ليالي اللذّات بالله عودي ... بين قبرونيا وباب الحديد

بين تلك الربى وقد نسج الو ... بل بكف الربيع ريط البرود

خدّه ضدّ صدغه مثل ما الوع ... د إذا ما اختبرت ضدّ الوعيد

طلب الطبل طايلات من الزّم ... ر وعاد السرور إذ عاد عودي

ومن رقيق شعره:

لم أسل عنك ولم أخنك ولم يكن ... في القلب مني للسلوّ مكان

لكن رأيتك قد مللت مودّتي ... فعلمت أنّ دواءك الهجران

دير الجاثليق

<<  <   >  >>