للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَمِنْ نَوَافِلِ الإِفَادَةِ: التَّذْكِيْرُ بِتَرْجَمَةِ الإِمَامِ أَبِي أَحْمَدَ عَبْدِ الوَهَّابِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ الصُّوْفِيِّ الْبَغْدَادِيِّ

قَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ «سِيَرُ الأَعْلامِ» (٢١/٥٠٢: ٥٠٦) : «ضِيَاءُ الدِّيْنِ أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ الوَهَّابِ ابْنُ الشَّيْخِ الأَمِيْنِ أَبِي مَنْصُوْرٍ عَلِيِّ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ ابْنِ سُكَيْنَةَ الْبَغْدَادِيُّ الصُّوْفِيُّ الشَّافِعِيُّ.

الشَّيْخُ، الإِمَامُ العَالِمُ الْفَقِيْهُ الْمُحَدِّثُ، الثِّقَةُ الْمُعَمَّرُ، الْقُدْوَةُ الْكَبِيْرُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ مَفْخَرُ العِرَاقِ.

وَسُكَيْنَةُ هِيَ وَالِدَةُ أَبِيْهِ. مَوْلِدُهُ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِمِئَةٍ.

وَسَمِعَ الكَثِيْرَ مِنْ: أَبِيْهِ، فَرَوَى عَنْهُ (الْجَعْدِيَّاتِ) ، وَهِبَةِ اللهِ بْنِ الْحُصَيْنِ يَرْوِي عَنْهُ (الغَيْلاَنِيَّاتِ) ، وَأَبِي غَالِبٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيِّ، وَزَاهِرٍ الشَّحَّامِيِّ، وَقَاضِي الْمَارِسْتَانِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ حَمُّوَيْهِ الْجُوَيْنِيِّ الزَّاهِدِ، وَعِدَّةٍ، بإِفَادَةِ ابْنِ نَاصِرٍ. ثُمَّ لاَزمَ أَبَا سَعْدٍ الْبَغْدَادِيَّ الْمُحَدِّثَ، وَأَكْثَرَ عَنْهُ، وَسَمِعَ مَعَهُ مِنْ: أَبِي مَنْصُوْرٍ الْقَزَّازِ، وَإِسْمَاعِيْلَ ابْنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ تَوْبَةَ، وَشَيْخِ الشُّيُوْخِ أَبِي الْبَرَكَاتِ إِسْمَاعِيْلَ بْنِ أَحْمَدَ وَهُوَ جدُّهُ لأُمِّهِ، وَعِدَّةٍ.

وَعُنِيَ بِالْحَدِيْثِ عنَايَةً قَوِيَّةً، وَبِالْقِرَاءاتِ، فَبَرَعَ فِيْهَا، وَتَلاَ بِهَا عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ سِبْطِ الْخَيَّاطِ، وَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ مَحْمُوَيْهِ، وَأَبِي العَلاَءِ الْهَمَذَانِيِّ.

وَأَخَذَ الْمَذْهَبَ وَالْخِلاَفَ عَنْ أَبِي مَنْصُوْرٍ ابْنٍ الرَّزَّازِ، وَالْعَرَبِيَّة عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ ابْنِ الْخَشَّابِ.

وَصَحِبَ جدَّهُ أَبَا الْبَرَكَاتِ، وَلَبِسَ مِنْهُ، وَلاَزَمَ ابْنَ نَاصِرٍ، وَأَخَذَ عَنْهُ عِلْمَ الأَثَرِ، وَحَفِظَ عَنْهُ فَوَائِدَ غَزِيْرَةً.

قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: شَيْخُنَا ابْنُ سُكَيْنَةَ شَيْخُ الْعِرَاقِ فِي الْحَدِيْثِ، وَالزُّهْدِ، وَحُسْنِ السَّمْتِ، وَمُوَافِقَةِ السُّنَّةِ وَالسَّلَفِ، عُمِّرَ حَتَّى حَدَّثَ بِجَمِيْعِ مَرْوِيَّاتِهِ، وَقصدَهُ الطُّلاَّبُ مِنَ البِلاَدِ، وَكَانَتْ أَوقَاتُهُ مَحْفُوْظَةٌ، لاَ تَمضِي لَهُ سَاعَةٌ إِلاَّ فِي تِلاَوَةٍ، أَوْ ذِكْرٍ، أَوْ تَهجُّدٍ، أَوْ تَسْمِيْعٍ، وَكَانَ إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِ مَنَعَ مِنَ القِيَامِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَكَانَ كَثِيْرَ الْحَجِّ وَالمُجَاوِرَةِ وَالطَّهَارَةِ، لاَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إِلاَّ لِحُضُوْرِ جُمُعَةٍ أَوْ عيدٍ أَوْ جَنَازَةٍ، وَلاَ يَحضُرُ دورَ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا فِي هَنَاءٍ، وَلاَ عَزَاءٍ، يُدِيمُ الصَّوْمَ غَالِباً، وَيستعملُ السُّنَّةَ فِي أَمورِهِ، وَيُحِبُّ الصَّالِحِيْنَ، وَيُعَظِّمُ العُلَمَاءَ، وَيَتوَاضَعُ لِلنَّاسِ، وَكَانَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُوْلُ: أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُمِيتَنَا مُسْلِمِيْنَ، وَكَانَ ظَاهِرَ الخشوعِ، غَزِيْرَ الدَّمْعَةِ، وَيَعْتَذِرُ مِنَ البُكَاءِ وَيَقُوْلُ: قَدْ كَبِرْتُ وَلاَ أَملِكُهُ، وَكَانَ اللهُ قَدْ أَلْبَسَهُ رِدَاءً جَمِيْلاً مِنَ البَهَاءِ، وَحُسْنِ الخِلْقَةِ، وَقَبُولِ الصُّوْرَةِ، وَنورِ الطَّاعَةِ، وَجَلاَلَةِ الْعِبَادَةِ، وَكَانَتْ لَهُ فِي القُلُوْبِ مَنْزِلَةٌ عَظِيْمَةٌ، وَمَنْ رَآهُ انتفَعَ برُؤْيتِهِ، فَإِذَا تَكَلَّمَ كَانَ عَلَيْهِ البَهَاء وَالنُّوْر، لاَ يُشْبَعُ مِنْ مُجَالَسَتِهِ، لَقَدْ طُفْتُ شرقاً وَغرباً، وَرَأَيْتُ الأَئِمَّةَ وَالزُّهَّادَ فَمَا رَأَيْتُ أَكملَ مِنْهُ، وَلاَ أَكْثَرَ عبَادَةً، وَلاَ أَحْسَنَ سَمْتَاً، صَحِبتُهُ قَرِيْبَاً مِنْ عِشْرِيْنَ سَنَةً، لَيْلاً وَنَهَاراً، وَتَأَدَّبْتُ بِهِ، وَخَدَمْتُهُ، وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ بِجَمِيْعِ رِوَايَاتِهِ، وَسَمِعْتُ مِنْهُ أَكْثَرَ مَرْوِيَّاتِهِ، وَكَانَ ثِقَةً، حُجَّةً، نبيلاً، عَلَماً مِنْ أَعْلاَمِ الدِّينِ! سَمِعَ مِنْهُ الحُفَّاظُ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الزَّيْدِيُّ، وَالقَاضِي عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ القُرَشِيُّ، وَالحَازِمِيُّ، وَطَائِفَةٌ مَاتُوا قَبْلَهُ.

وَسَمِعْتُ ابْنَ الأَخْضَرِ غَيْرَ مَرَّةٍ يَقُوْلُ: لَمْ يَبْقَ مِمَّنْ طَلَبَ الْحَدِيْثَ، وَعُنِيَ بِهِ غَيْرُ عَبْدِ الوَهَّابِ ابْنِ سُكَيْنَةَ.

وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كَانَ شَيْخُنَا ابْنُ نَاصِرٍ يَجْلِسُ فِي دَارِهِ عَلَى سَرِيرٍ لَطِيفٍ، فُكُلُّ مَنْ حضَرَ عِنْدَهُ يَجْلِسُ تَحْتَ، إِلاَّ ابْنُ سُكَيْنَةَ.

<<  <   >  >>