للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ومن يك مثلي ذا عيال ومقتراً ... من المال يطرح نفسه كل مطرح

ليبلغ عذراً أو يصيب غنيمةً ... ومبلغ نفس عذرها مثل منجح

وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه عن ربه عز وجل: (يا ابن آدم احدث سفراً أحدث لك رزقاً. عبيد الله في الحديث: سافروا تصحوا وتغنموا:

ولن يريح هموم النفس إذ حضرت ... حاجات مثلك إلا الرحل والجمل

وقيل لأبي الأسود: مالك كثير الجولان وأنت كبينر السن؟ قال: لئلاً أكون جليس المرأة وجليس البيت: لا تشاء العنز تبول علي إلا بالت.

فصل لعبيد الله: ليس فضل السعي بزائد في مقسوم الرزق ولكن الله جعل له سبيلاً إلى إزالة العتب عن النفس ودركا في الاستسلام لغلبة القضاء والقدر، إذ كان على المرء ألا يقبل على نفسه ذلا.

وليس عليه أن يزيل عنها قدراً حتماً. وهذا شبيه بقول الشاعر:

على المرء ألا يرام الضيم أنفه ... وليس عليه أن يساعده القدر

[باب ذم التواني والتسويف]

كان يقال: العجز وطيء أي لا تكره صعوبة الحزم وتختار وطأة العجز. ولبعضهم: نكح العجز التواني فولدت بينهما الندامة. وقال أكثم: لا أحب أن أكفى أمري كله.

قيل: ولم ذلك؟ قال: أخاف عادة العجز. وقال حكيم لولده: اياك والعجز والتواني في الأمور فتقذفك الرجال خلف أعقابها.

وكان الغريض مترفاً منعماً لنفسه. فسأله بعض إخوانه أن يمشي معه في حاجة فقال له: لولا أن يراني عدوتي - ولم ترني منذ حين لمشيت معك. قال: ومن عدوتك؟ اقل: الشمس. لا وحياتك ما وقعت علي منذ سنة. وكما أن الإبطاء عند القدرة مذموم فكذلك العجلة قبل الفكرة مذمومة.

وقد مدح رجل من العرب رجلاً سئل عنه، فقال: إنه والله ما يكفكف من عجلة ولا يدفع في ظهره من بطءٍ. وكان يقال للحاجة آفتان الاستعجال بها قبل وقتها والتأني فيها حتى تموت. وفي عهود بعض القضاة: وأمره أن يتجنب خصلتين هما آفتا القضاء وسبب تودير الحقوق: العجلة قبل إثبات الحجة، والانتظار بالفصل بعد وضوح الدلالة وقيام البينة. وانشدني محمد بن عيسى:

فلا تطمع لأمر إن تدانى ... ولا تيأس من الأمر السحيق

ولا تعجل فتسبق ما يرجى ... ولا تنظر فتقصر عن حقوق

وكان إياس بن معاوية يتمثل:

وأوقف عند الأمر ما لم يبن له ... وأمضي إذا ما شك من كان ماضيا

وقيل لبزرجمهر: أمن الاجتهاد ما هو شر من التواني؟ قال: نعم. ما كان في غير حينه. قال بعض الحكماء: آفة الطلب في تيمم أوقاته. بلغنا أن رجلاً من العرب طلب الأدب حيناً فأعياه فتركه، فبينا هو في بعض الطريق يسير إذ مر بصخرة ملساء فتأملها فإذا الذر يدب عليها فمن كثرة دبيبه كان أثر في الصخرة. ففكر فقال في تفكره: مع صلابة هذا الصخر وخفة هذا الذر أثر فيه هذا الأثر فأنا حري أن أدوم على الطلب وأجد في الأدب فلعلي أصير فيه رأساً. فراجع الإكباب على الأدب فلم يلبث أن خرج فيه مبرزاً. ولأبي العتاهية في ذمسوف وما أشبهها:

لا يشغلنك لو وليت عن الذي ... أفنى القرون ولا لعل ولا عسى

وفي الحديث: أن رجلاً دخل المسجد والنبي صلى الله عليه جالس. قال له: يا فلان أما جمعت؟ قال: أما رأيتني يا رسول الله جمعت معك. قال صلى الله عليه: رأيتك آذيت وآنيت أي أخرت المجيء.

لم تزل تسوق حاجتي حتى خرجت من آوانها إلى آواني لو أسعفتني بها فيه ما كان لها علي كثير أثر ولا من نفع، ولو أسعفتني بها في أول طلبتها لكان في ذلك صون لوجهي عن سؤال أحدٍ سواك. وسبق منك إلي بارع عرف وجميل اصطناع قل ما سبق السابقون إلى أفضل منه. فقد قطعت الآن لساني عن الاحتجاج عنك فجعلت ذنبك وقايةً له عن الاحتجاج عنك. وبحسبي ما لحقني من إساءتط بعد إحسانك. وزال عني عن معروفك ما قد كنت أعده لي عتاداً ومن محذوري حرزاً حريزاً.

[باب ذم العجلة]

وفي الأمثال: رب عجلة تهب ريثاً، يقول: رب عجلة يراد بها صلاح الأمر فتفسده حتى لا يصلح إلا بعد مدةطويلة فكأنها كانت ريثاً. وهذا قريب من قول بزر جمهر: إن شراً من التواني الإجتهاد في غير حينه.

الخرق شؤم والأناة سعادة ... فاستأن حلمك في أمورك تسلم

والرفق يمن والأناة سعادة ... فتأن في رفقٍ تلاق نجاحا

<<  <   >  >>