للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قال سعيد بن العاص: ما رددت أحداً عن حاجة فخرج عني إلا تبينت عز اليأس في قفاه. وقال عمر بن الخطاب: من يئس من شيء استغنى عنه.

آخر:

وما نال مثل اليأس طالب حاجة ... إذا لم يكن فيها نجاح للطالب

آخر:

ويئست مما قد لهجت به ... منها ولا يسليك مثل اليأس

[باب إحماد التؤدة والرفق]

قال بعض الحكماء: التؤدة يمن وفي اليمن نجح.

القطامي.

قد يدرك المتأنى بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل

قال النبي صلى الله عليه: من حرم الرفق فقد حرم الخير.

وقال صلى الله عليه لعائشة: عليك بالرفق فإن الرفق لا يخالط شيئاً إلا زانه ولا يفارق شيئاً إلا شانه. ولعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه:

إصبر على مضض الإدلاج في السحر ... وللرواح على الحاجات والبكر

لا تعجزن ولا يضجرك مطلبة ... فالنجح يتلف بين العجز والضجر

إني وجدت وفي الأيام تجربة ... للصبر عاقبةً محمودة الأثر

وقل من جد في شيء يطالبه ... فاستصحب الصبر إلا فاز بالظفر

خلق الله عز وجل السموات والأرض في ستة أيام ولو شاء قال لهما: كونا. فكانتا. وقال عز وجل. (فقولا له قولاً لينا) ولو شاء أن يأمرهما بالعنف لأمرهما، ثم لم يكن يصيبهما من مكروه فرعون ما قد تكفل لهما بصرفه عنهما ربهما. وقال الشاعر:

تأمل ولا تعجل بأمر تريده ... فإن الفتى من أمره ما تأملا

يقول: الإنسان على رأس أمره ما دام يتأمل ويترفق في استعمال الحزم. فاذا عجل فرط وخرج الأمر عن يده. وقال هدبة:

ولا أركب الأمر المدوي غمةً ... بعميائه حتى أزور فأنظرا

كما تعمل العشواء تركب راسها ... وتترك جنبا للمعاذير معوراً

المدوي: الملتبس المغطى كاللبن الذي عليه دواية. وهي جلدة تركبه. غمة: لبسة. العشواء: التي تبصر في الليل. يقول: إذا لم تحزم في أمرها ذهبت حيث أرادت على غير بصيرة وتركت جنبها معوراً للمعاذير، أي لم يكن لها عذر في خطابها. وهذا مثل، يقول فلست أنا كهذه.

[باب ذم الحرص]

قال علي بن عبيدة: الحرص فضول الشهوات، واشتطاط الأماني، وأذى الطبائع، ومهانة النفس، وشك في المقدور، وسخف في الرأي، وزهد دائم. وقد نهى الله عن الحرص. فقال عز وجل: (لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم) . وقال الحسن بن سهل: ما رأيت رجلاً قط مقصراً في مطالبة الظفر إلا وسعت عليه العذر وإن كان عظيم التفريط، إذا كانت النفس مطبوعة على حسب السعي في حواية الفضل. وذلك دليل على أن اقتصار هذا على ما قل منه دون ما كثر لما وقف عليه من القسم.

تقول العرب: جاءنا فلان تضب لثته ويدمى فوه ويرذم أنفه. إذا جاء طعاماً حريصاً. فقولهم تضب لثته أي يسيل من لثته الماء لا يحبس من حرصه لعابه. وقال عنترة في مصداقه:

أبينا أبينا أن تضب لثاتكم ... على مرشقات كالظباء عواطيا

قوله: يدمى فوه من الدم أي يسيل منه الدم. وأصله من أكل اللحم أن يحرص الرجل عليه فيسرع أكله حتى يأكل العظم فيدميه.

ويرذم أنفه أي يسيل منه المخاط من حرصه لا يمسحه. والرذم القطر. وقال فيه كعب بن زهير يصف الغنم.

من لي منها إذا ما أزمة أزمت ... ومن أويس إذا ما أنفه ردما

ليس حرصك على مطلوبك بزائد في مقسومك، ولا توانيك فيه بناقص ما قدر لك منه. وبين ذلك سعة الاستبصار وتفصير الاقتصار، فأجمل في الطلب وأقلل من التعب. فحسبك تكلفاً حملك نفسك على متالفها مع علمك بقول الله في قصة لقمن: يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير.

الحرص يزري لصاحبه وترك السعي يدعوه إلى سوء الظن بخالقه، فلا تكابر القدر مكابرة المغالب ولا تتكل عليه اتكال المستسلم. قال عدي بن زيد:

قد يدرك العاجز من حظه ... والرزق قد يسبق حرص الحريص

باب ما يعرض للطالب من المكاره

<<  <   >  >>