للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، أَوِ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ، وَالْمُخْطِئُ مَعْذُورٌ، بَلْ مَأْجُورٌ.

قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ بَعْدَ التُّهَمِ ثُبُوتَ الْعِصْمَةِ لَهُمْ، وَاسْتِحَالَةَ الْمَعْصِيَةِ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ قَبُولُ رِوَايَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ بِبَحْثٍ عَنْ أَسْبَابِ الْعَدَالَةِ وَطَلَبِ التَّزْكِيَةِ، إِلَّا إِنْ ثَبَتَ ارْتِكَابُ قَادِحٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، فَنَحْنُ عَلَى اسْتِصْحَابِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ، وَلَا الْتِفَاتَ إِلَى مَا يَذْكُرُهُ أَهْلُ السِّيَرِ ; فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَمَا صَحَّ فَلَهُ تَأْوِيلٌ صَحِيحٌ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ: تِلْكَ دِمَاءٌ طَهَّرَ اللَّهُ مِنْهَا سُيُوفَنَا، فَلَا تُخَضِّبْ بِهَا أَلْسِنَتَنَا. وَلَا عِبْرَةَ بِرَدِّ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ رِوَايَاتِ سَيِّدِنَا أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَتَعْلِيلِهِمْ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَقِيهٍ ; فَقَدْ عَمِلُوا بِرَأْيِهِ فِي الْغَسْلِ ثَلَاثًا مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَغَيْرِهِ، وَوَلَّاهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الْوِلَايَاتِ الْجَسِيمَةَ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَهُ كَمَا فِي مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ: (أَفْتِهِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ; فَقَدْ جَاءَتْكَ مُعْضِلَةٌ) . فَأَفْتَى، وَوَافَقَهُ عَلَى فُتْيَاهُ. وَقَدْ حَكَى ابْنُ النَّجَّارِ فِي ذَيْلِهِ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ سَمِعَ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ الطَّبَرِيَّ يَقُولُ: كُنَّا فِي حَلْقَةٍ بِجَامِعِ الْمَنْصُورِ، فَجَاءَ شَابٌّ خُرَاسَانِيٌّ حَنَفِيٌّ فَطَالَبَ بِالدَّلِيلِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَرَّاةِ، فَأَوْرَدَهُ الْمُدَرِّسُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ الشَّابُّ: إِنَّهُ غَيْرُ مَقْبُولِ الرِّوَايَةِ. قَالَ الْقَاضِي: فَمَا اسْتَتَمَّ كَلَامَهُ حَتَّى سَقَطَتْ عَلَيْهِ حَيَّةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ سَقْفِ الْجَامِعِ، فَهَرَبَ مِنْهَا فَتَبِعَتْهُ دُونَ غَيْرِهِ، فَقِيلَ لَهُ: تُبْ، فَقَالَ: تُبْتُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>