للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَتَأَيَّدُ كُلُّ ذَلِكَ بِتَقْدِيمِ الْبُخَارِيِّ نَفْسِهِ لِلْإِرْسَالِ فِي أَحَادِيثَ أُخَرَ لَقَرَائِنَ قَامَتْ عِنْدَهُ، وَمِنْهَا أَنَّهُ ذَكَرَ لِأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ حَدِيثًا وَصَلَهُ، وَقَالَ: إِرْسَالُهُ أَثْبَتُ.

هَذَا حَاصِلُ مَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا مَعَ زِيَادَةٍ، وَسَبَقَهُ لِكَوْنِ ذَلِكَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَئِمَّةِ: الْعَلَائِيِّ، وَمِنْ قَبْلِهِ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَغَيْرُهُمَا، وَسَيَأْتِي فِي الْمُعَلَّلِ أَنَّهُ كَثُرَ الْإِعْلَالُ بِالْإِرْسَالِ وَالْوَقْفِ لِلْوَصْلِ وَالرَّفْعِ إِنْ قَوِيَا عَلَيْهِمَا، وَهُوَ شَاهِدٌ لِمَا قَرَّرْنَاهُ.

(ثُمَّ) إِذَا مَشَيْنَا عَلَى الْقَوْلِ الرَّابِعِ فِي الِاعْتِبَارِ بِالْأَحْفَظِ (فَمَا إِرْسَالُ عَدْلٍ يَحْفَظُ يَقْدَحُ) أَيْ: قَادِحًا (فِي أَهْلِيَّةِ الْوَاصِلِ) مِنْ ضَبْطٍ - حَيْثُ لَمْ تَكْثُرِ الْمُخَالَفَةُ -، وَعَدَالَةٍ، (أَوْ) فِي (مُسْنَدِهِ) أَيْ: فِي جَمِيعِ حَدِيثِهِ الَّذِي رَوَاهُ بِسَنَدِهِ لَا فِي الْمُخْتَلَفِ فِيهِ لِلْقَدْحِ فِيهِ بِلَا شَكٍّ، وَ " أَوْ " هُنَا لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ كَالْوَاوِ ; كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ عِبَارَةُ ابْنِ الصَّلَاحِ الْآتِيَةِ.

وَحِينَئِذٍ فَهُوَ تَأْكِيدٌ، وَإِلَّا فَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ التَّصْرِيحَ بِعَدَمِ الْقَدْحِ فِي الضَّبْطِ وَالْعَدَالَةِ يُغْنِي عَنِ التَّصْرِيحِ بِعَدَمِ الْقَدْحِ فِي مَرْوِيِّهِ ; لِاسْتِلْزَامِهَا ذَلِكَ غَالِبًا.

وَ " مَا " هِيَ النَّافِيَةُ الْحِجَازِيَّةُ، وَ " إِرْسَالُ عَدْلٍ يَحْفَظُ " اسْمُهَا، وَخَبَرُهَا جُمْلَةُ " يَقْدَحُ ". فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ اجْتَمَعَ الرَّدُّ لِمُسْنَدِهِ هَذَا، مَعَ عَدَمِ الْقَدْحِ فِي عَدَالَتِهِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الرَّدَّ لِلِاحْتِيَاطِ، وَعَدَمَ الْقَدْحِ فِيهِ لِإِمْكَانِ إِصَابَتِهِ، وَوَهْمُ الْأَحْفَظِ وَعَلَى تَقْدِيرِ تَحَقُّقِ خَطَئِهِ مَرَّةً لَا يَكُونُ مُجَرَّحًا بِهِ ; كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا التَّصْرِيحُ بِهِ عَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ.

وَهَذَا الْحُكْمُ (عَلَى الْأَصَحِّ) مِنَ الْقَوْلَيْنِ، فَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ ; حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ لَا يَقْدَحُ

<<  <  ج: ص:  >  >>