للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كَانَ الحَدِيث فِي الصُّدُور فخشي مَالك أَن يخلطوا فِيمَا يحدثُونَ بِهِ فَترك الرِّوَايَة عَنْهُم لذَلِك وَلَو كَانُوا يحفظون لفظ الحَدِيث لم يتْرك الْأَخْذ عَنْهُم

وَنقل الْبَيْهَقِيّ والخطيب وَغَيرهمَا عَن مَالك أَنه منع الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى فِي الحَدِيث وَأَجَازَ ذَلِك فِي غَيره

وَقد شدد بعض المانعين من الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى أعظم تَشْدِيد حَتَّى لم يجيزوا أَن يُبدل حرف بآخر وَإِن كَانَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا وَلَا أَن تقدم كلمة على أُخْرَى وَإِن كَانَ الْمَعْنى لَا يخْتَلف فِي ذَلِك بل زَاد بَعضهم فِي التَّشْدِيد فَمنع من تثقيل خَفِيف أَو تَخْفيف ثقيل وَنَحْو ذَلِك وَلَو خَالف اللُّغَة الفصحى

وَذَلِكَ لما فِي تَبْدِيل اللَّفْظ الْمَرْوِيّ من خوف الدُّخُول فِي الْوَعيد حَيْثُ نسب إِلَى النَّبِي ص = لفظا لم يقلهُ وَلِأَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قد أُوتِيَ جَوَامِع الْكَلم وَاخْتصرَ لَهُ الْكَلَام اختصارا وَغَيره وَلَو كَانَ من أَرْبَاب الفصاحة والبلاغة لَا يبلغ دَرَجَته

وَكَثِيرًا مَا يظنّ الرَّاوِي بِالْمَعْنَى أَنه قد أَتَى بِلَفْظ يقوم مقَام الآخر وَلَا يكون كَذَلِك فِي نفس الْأَمر كَمَا ظهر ذَلِك فِي كثير من الْأَحَادِيث

وَانْظُر إِلَى مَا وَقع لشعبة مَعَ جلالته وإتقانه فَإِنَّهُ سمع عَن إِسْمَاعِيل بن علية حَدِيث النَّهْي عَن أَن يتزعفر الرجل فَرَوَاهُ عَنهُ بِالْمَعْنَى بِلَفْظ نهي عَن التزعفر

فَأنْكر إِسْمَاعِيل ذَلِك عَلَيْهِ لدلَالَة رِوَايَته على الْعُمُوم مَعَ أَن الرِّوَايَة فِي الأَصْل إِنَّمَا تدل على اخْتِصَاص النَّهْي بِالرِّجَالِ فانتبه إِسْمَاعِيل لما لم يتَنَبَّه لَهُ شُعْبَة مَعَ أَن رِوَايَة شُعْبَة عَنهُ إِنَّمَا هِيَ من قبيل رِوَايَة الأكابر عَن الأصاغر

وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قد رد على من علمه مَا يَقُول إِذا أَخذ مضجعه إِذْ قَالَ وَرَسُولك فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا وَنَبِيك

وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ نضر الله امْرأ سمع منا حَدِيثا فأداه كَمَا سَمعه

وَقد اعتنى مُسلم فِي صَحِيحه بِبَيَان اخْتِلَاف الروَاة حَتَّى فِي حرف من الْمَتْن رُبمَا لَا يتَغَيَّر بِهِ الْمَعْنى بِخِلَاف البُخَارِيّ

وَقَالَ بَعضهم كَانَ يَنْبَغِي أَن يكون هَذَا الْمَذْهَب هُوَ الْوَاقِع وَلَكِن لم يتَّفق ذَلِك

<<  <  ج: ص:  >  >>