للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأَقْشَعَتِ الحَرْبُ عنْ مازِنٍ ... وسَمْحٍ ومُرَّةَ والأَشْهَب

وعمْرٍو وقُرَّةَ في عُصْبةٍ ... مَقَاحِيمَ في حَرْبِهِمْ شُغَّبِ

وأُبْنَا بكُلّ فَزَارِِيَّةٍ ... مُهَفْهَفَةِ الكَشْحِ كالرَّبْرَبِ

وأُبْنَا بقَرْنٍ لَنا نَاطِحٍ ... وآبُوا بقرْنٍ لَهُمْ أَعْضَبِ

يومُ أَقْطانِ سَاجرٍ

وهو يومٌ لبني ثَعْلَبة بن بَكر على بني تَغلِب كان من أَمْر هذا اليوم أَنّ كَثِيفَ بن حّيي بن الحارث بن زُهيْر بن جُشَم بن بكْرٍ، أَغارَ على بكْر بن وَائل، في خَيْلٍ من بني تغلِبَ فقتَل وأَسَرو ... سَبْياً ونَعَماً، ولحِقَهُ مالكُ بن الصّامتِ، واسمُهُ زيدُ بن عَوْفِ بن عامرِ بن ذُهْل بن ثَعلبةَ، وأُمُّه كُومَةُ بنتُ ضَلِيعٍ، وبها كَأن يُنْسَبُ، وعَمْرو بن الزّبَّانِ في خيلٍ من بَكر، فاقتتَلَوا قِتَالاً شَدِيداً، وأُسِر كَثِيفُ بن حييّ، أَسرَهُ مالك وعمرٌو فقال مالكٌ: أَسِيرِي وقال عَمرُو أَسِيرِي، وتَلاحَيَا، وكانَ مالكٌ حليماً، وعَمرو بن الزّبان سفيهاً، فحَكَّما كَثِيفاً في ذلك، فقال كَثِيفٌ: لولا مالِكٌ لأُلْفِيتُ في أَهلي، ولولا عَمرٌو لم أُوسَر. فغضبَ عمرٌو فرفعَ يدَهُ فلطَمَ وَجْهَ كَثِيفٍ، فغَضِبَ مالك وقال: أَتلطِمُ وَجْهَ أَسيرِي؟ فاشترَى مالكٌ نَصِيبَ عَمْرٍو بمائةٍ من الإِبلِ وأَعتَقَهُ للَطْمَةِ عَمروٍ إِيّاه. فقال كَثِيفٌ: يا مالكُ، أَما ودِينِ آبائك لا أُحِلُّ حَلاَلاً ولا أُحرِّم حَارماً، ولا يَمسُّ رأْسي غِسْلٌ، حتى أُدرِكَ ما صنَعَ بي عمرٌو، وأَمّا أَنتَ فقد استَوجَبْتَ المِنّةَ عليَّ. وقال كَثِيفٌ:

حَلَفْتُ بما لَبَّي له كُلُّ مُحْرٍمٍ ... له لِمّةٌ حُفَّتْ من الشَعرِ الجَثْلِ

يَمِيناً أَرَى مِنْ آلِ زَبَّانِ وَاتِراً ... ليَطْلُبَ منّي دُونَ قَاطِعةِ الحَبْلِ

جَزَاءً بما أَسْدَى إِليَّ أَخوهمُ ... ليعْلَمَ أَنّ الحِلْمَ أَدْنَى من الجَهْلِ

وأَجْزِي بمَا أَسْدَى من الخَيْرِ مالِكاًأُكَافِي ذَوِي الأَحْسابِ والفَضْلِ بالفَضْلِ

فمكثَ كَثيفٌ بعد ذلك قليلاً، وخَرَجَ بنو زَبّانَ، وهم سِتَّةُ نفَرٍ، وفيهم عَمْرو بن الزَّبّان، في طَلَب إِبل لهُمْ نَدَّتْ، فوجدوها ونُتجوا ناقَةً ونَحروا وَلدَهَا، فبَيْنا هُم يَأْكُلُون إِذ بَصُرَ بهم رجلٌ من غُفَيْلَة ابنِ قاسِطٍ يقال له خَوْتَعةُ، فانطلَقَ حتَّى عرَّفَ كَثِيفاً موضعَهم، فركِبَ لوَقتِه في أَربعين فارساً، حتى أتاهم فأخذهم أخذاً، فعلم عمرُو بن الزَّبّان أَن كَثيفاً إِيّاه يُرِيدُ، قال كَثِيفٌ: يا عَمْرُو أَتذكُرُ لَطْمَتِي؟ قالَ: نعمْ، ولا خَدّ بَكْرِيٍّ هو أَفْضَلُ من خَدِّي، فدُونك فاقْتَدْ مِن عمّك، وإِن شِئتَ من أَخَوَيَّ. فقال كثيفٌ: بل أَنا قاتِلُك، فقال: لا تَبْدُ بالبَغْي، وخُذِ الحقَّ ولك فِدَاؤُنَا، قال: بل أَقتلُهم معك، قال: إِذَنْ يطْلبُك مَن هو أَشدُّ عليك منّي وأَطلَبُ بثأَرِه، وأَطْوَعُ في قَومه، قال كَثِيفٌ: " ذاك ما ذاك " فذهبت مثَلاً، ثم إنه قتلَهم، وجعل رؤوسهم في غِرَارةٍ علَّقَها في عُنُق الدُّهَيْم ناقَة لعَمْرِو بن الزّبَّان، وفيها يقول العربُ " أَشْاَمُ من الدُّهَيْم " مثلاً و " أَثْقَلُ من حَمْلِ الدُهَيْم ".

وقال الأَعرجُ الطائيّ يتَمَثَّلُ بالدُّهَيم:

يقُودهُمُ سَعْدٌ إِلى بَيْتِ أُمِّه ... ألاَ إِنّما يُزْجي الدُّهَيْمَ ومَا يَدْرِي

<<  <   >  >>