للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من عند الله قسمت الجدود. الغني كل الغنى رجل في شعفة جبل يحسب فقيراً وعنده فقير، وقد شحط عن العالم فهو مستريح، والنفس كثيرة الآراب. غاية.

له تحت المسكن براح يطلب منه رزق ربه كل عام، ويودع الأرض ودائع تأكل بعضها الطير الهاتفة وعوير، فلا يذعر أحدهما ولا يراب. غاية.

تفسير: البراح: المتسع من الأرض. الهاتفة: الحمامة. وعوير: الغراب.

رجع: ويرسل الله السارية والغادية من الأمطار، فيأمر الأرض بأداء ما آستودعته فتبرزه بإذن الله وقد راع، فيغذيه الواحد بلطفه قلداً بعد قلد، يغنيه عن السانية برشاء وغرب، وتروي جربة بأمر الله جربة الصعلوك، فلا يطلع في عوجاء الجراب. غاية.

تفسير: راع: زاد. القلد: الحظ من الماء. جربة الأولى: السماء، وهي معرفة لا تدخلها الألف واللام؛ وقد أضافها الأعشى في قوله:

وخوت جربة النجوم فما تشرب أروية بمرى الجنوب

والجربة الثانية: القراح من الأرض وهو الأرض التي تصلح للزرع ولا شجر فيها. والجراب: جانب البئر من أعلاها إلى أسفلها.

رجع: حتى إذا أسفى القصب، وصار في الأكمة رزق يطلب، وذلك بتدبير الله، عمد بمهذه فأخذ أعلاه وترك غدارته لأراوى اتراب. غاية.

تفسير: أسفى: صارفيه شوك السنبل. المهذ: المنجل. والغدارة: البقية.

رجع: إذا مرض فزع إلى دعاء الله، وإذا أظلم رفع عقيرته في عقر الدار يترنم بأماديح ملك الملوك، لا يعرف الريبة ولا ربا المراب. غاية.

يذكر الله في كل صباحٍ ومساء إذا هبت الجنوب وعصفت السمال. يحترث لنفسه بيده، وحارث الأرض عند ربه أوجه من الحارث الحراب. غاية.

لافضة له فالقلب فضض، ولا ذهب يخافه أن يذهب، ولا فزر يحترس ويفترس، أبلٍ بالعبادة ليس له إبل؛ إن صاحب الذود غير آمنٍ من الخراب. غاية.

تفسير: الفضض: المفترق. والفزر: القطيع من الغنم. ويحترس: يسرق هاهنا. الأبل: الرفيق بالعبادة وغيرها؛ وأنشد ابن الأعرابي:

لو أن شيخاً رغيب العين ذا أبلٍ ... يرتاده لمعدٍ كلها لهقا

[فصل غاياته تاء]

والكرم والحلم، ولنا الشح والفاقة، والعجلة والضعف. إن أعطيت من الشموس والأقمار، كما تعطيه ملوك العالم من ضريب الحجرين، تهب ألف شمسٍ، إذا وهب الملك ألف دينار، صغر ذلك عليك. أمنت الفوت فأمهلت، إنما يعجل من يخاف الفوات. غاية.

ألا تسمع مثلاً يضرب لحفظ الباري وحده مجارى النور ومدارج الهواب، وما يوجد ويتخيل: استقر ذلك في علم الله كاستقرار كلمةٍ ثلاثيةٍ بنيت على حالٍ لا زيادة فيها ولا نقصان وكوزنٍ قصير زاد أربعة أحرفٍ على عشرين، وقبلته الغريزة على ذلك، لا سبيل عندها عليه لحركةٍ ولا سكونٍ. فسبحان ساتر العالم بالعقول ومحلى السماء بالشهب، والغمائم بعقيق البرق، وكاسي ذوات الأجنحة غرائب الريش، ملبس البسيطة حلل النبات. غاية.

تفسير: الكلمة الثلاثية مثل نعم؛ لأنها مبنية لا تتغير. وهي أشد لزوماً للحال الواحدة من غيرها؛ لأن جملاً وبابه يتصرف بوجوه الإعراب، ونعم أقل تيراً من الفعل الماضي، وإن كان لازماً طريقةً واحدةً من الفتح؛ لأنك إذا وقفت عليه سكن آخره فتغير عن حاله في الوصل، ونعم في الوصل والوقف على حالٍ واحدةٍ. ويجرى مجرى نعم قولهم بذخ مكسورة الباء في معنى بخٍ؛ ومنه قول الفرزدق:

لنا مقرم يعلو الفحول بصوته ... بذخ، كل فحلٍ دونه متواضع

والوزن القصير: هو الوزن الذي يعرف بالمقتضب، وهو في العدة لأربعة وعشرون حرفاً، لا نريد ولا ينقص بزحافٍ ولا خرم، وليس في الأوزان وزن يلزم طريقة واحدة فلا ينقص منه شئ غيره، وبيته الذي وضعه الخليل:

أعرضت فلاح لنا ... عارضان كالبرد

يحسب في عدده ياء الوصل التي في البردى ولا تحسب الالف التي تتبع اللام للتعريف، وتدخله المراقبة فيبقى على حاله، والمراقبة أن يكون الحرفان لا يجوز ثباتهما جميعاً، ولا سقوطهما جميعاً، ولكن يثبت هذا تارةً وهذا تارة. والبيت الذي فيه المراقبة المغيرة لحال البيت الأول من غير نقص في العدد قوله:

لعمرى لقد كذب الزاعمون مازعموا

يقولون ما قتلوا وهم يدفنونهم

رجع: عجب المخلوقون ولا عجب من أمر الله، لثلاثة أيام شرفها أهل الشرع، الأحد: من الوحدة، والجمعة: من الجمع والسبت: من السبات. غاية.

<<  <   >  >>