للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في معرض التوبيخ والتبكيت للعين على امتناعه من السجود، ولم يستحق هذا التبكيت والتوبيخ من حيث كان السجود لما يعقل، ولكن لعلة أخرى وهي المعصية والتكبر على ما لم يخلقه، إذ لا ينبغي التكبير لمخلوق على مخلوق مثله، وإنما التكبر للخالق وحده، فكأنه يقول له - سبحانه -: لم عصيتني وتكبرت على ما لم تخلقه وخلقته أنا، وشرفته وأمرتك بالسجود له؟ فهذا موضع " ما "، لأن معناها أبلغ ولفظها أعم.

وهو في الحجة أوقع، وللعذر والشبهة أقلع، فلو قال: ما منعك أن

تسجد لمن خلقت، لكان استفهاماً مجرداً من توبيخ وتبكيت، ولتوهم أنه وجد السجود له من حيث كان يعقل، أو لعلة موجودة في ذاته وعينه. وليس الأمر كذلك، فلا معنى لتعيينه بالذكر، وترك الإبهام في اللفظ.

وكذلك قوله تعالى: (وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا) لأن القسم تعظيم للمقسم به.

واستحقاقه للتعظيم من حيث بنى وأظهر هذا الخلق العظيم الذي هو السماء، ومن حيث سواها بقدرته وزينها بحكمته.

فاستحق التعظيم وثبتت له القدرة، كائناً ما كان

هذا المعظم فلو قال: " من بناها " لم يكن في اللفظ دليل على استحقاقه للقسم به، من حيث اقتدر على بنيانها، ولكان المعنى مقصوراً على ذاته ونفسه دون الإيماء إلى أفعاله الدالة علي عظمته المنبئة عن حكمتها، المفصحة لاستحقاقه التعظيم من خليقته.

وكذلك قوله سبحانه: (يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ) ، لأن الرعد صوت عظيم

(من جرم عظيم) ، فالمسبح به لا محالة أعظم، واستحقاقه للتسبيح من حيث

سبحته العظيمات من خلقه، لا من حيث كان يعلم.

ولا نقول: " بعقل " في هذا الموضع، تأدبا وتأسياً بالشريعة.

فإذا تأملت ما ذكرناه، ونظرث في آخر الفصل ما ندكره من " ما " الواقعة على المصدر، استبانت لك جهالة القائلين من النحويين أن " ما " مع الفعل بتأويل المصدر، وأن المعنى: والسماء وبنيانها، فلا لصناعة النحو وفقوا، ولا لفهم التأويل رزقوا، وأكثروا الحز وأخطأوا المفصل وما طبقوا.

وأما قوله عز وجل: (وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) ، فما على بابها، لأنها واقعة

<<  <   >  >>