للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا كان في الرفع لم يكن له علامة في اللفظ، لأن الاسم الظاهر قبل الفعل

علم ظاهر يغني المخاطب عن علامة إضمار في الفعل، بخلاف المتكلم

والمخاطب، لأنك تقول في الغائب: زيد قام، فتجد الاسم الذي يعود عليه الضمير موجوداً ظاهراً في اللفظ، ولا تقول في المتكلم: زيد قمت، ولا في المخاطب أن كان اسمه كذلك: زيد قمت - فلما اختلفت أحوال الضمير الغائب لسقوط علامته في الرفع، وتغير الهاء بدخول حروف الخفض، قام ذلك عندهم مقام علامات الإعراب في الظاهر، أو ما هو بمنزلتها في الضمير كالتاء المبدلة من الواو، والياء المنبئة عن الكسرة، والكاف المختصة بالمفعول والمجرور الواقعين بعد الكلام التام، ولا يقع

بعد الكلام التام إلا منصوب أو مجرور، فكانت الكاف المأخذوة من لفظ الكلام علامة على المنصوب والمجرور إذا كان مكلماً مخاطباً.

وأما " نحن " فهي ضمير منفصل للمتكلمين جماعة كانوا أو اثنين، وخصت

بذلك لما لم يمكنهم التثنية والجمع في المتكلم المضمر، لأن حقيقة التثنية ضم

شيء إلى مثله ذي اللفظ، والجمع ضم شيء إلى أكثر مما يماثله في اللفظ، فإذا قلت: زيدان، فمعناه: زيد وزيد، وإذا قلت: أنتما، فمعناه: أنت وأنت.

وكذلك الزيدون أنتم والمتكلم لا يمكنه أن يأتي باسم مثنى أو مجموع في معناه، لأنه لا يمكن أن يقول: " أنا أنا " فيضم إلى نفسه مثله في اللفظ فلما عدم ذلك، ولم يكن بد من لفظ يشير إلى ذلك المعنى، وإن لم يكن هو في الحقيقة،، جاؤوا بكلمة تقع على الاثنين والجمع، لاشتراك التثنية والجمع في هذا الموطن، والجمع المعبر به عنهما.

ثم كانت الكلمة نوناً في أولها ونوناً في آخرها، إشارة إلى الأصل المتقدم

الذي لم يمكنهم الإتيان به، وهو تثنية " أنا "، التي هي بمنزلة عطف اللفظ على مثله.

فإذا لم يمكنهم ذلك اللفظ مثنى، كانت النون المكررة تنبيهاً عليه وتلويحا إليه.

وخصت النون بذلك دون الهمزة لما تقدم من السر البديع فىِ اختصاص ضمير

الجمع بالنون، واختصاص ضمير المتكلم المنفرد بالهمزة، ثم جعلوا بين النونين

" حاء " ساكنة لقربها من مخرج الألف الموجودة في ضمير المتكلم قبل النون

وبعدها، ثم بنوها على الضم - دون الفتح والكسر - إشارة إلى أنه ضمير مرفوع.

<<  <   >  >>