للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العالمين بظاهر من الحياة الدنيا عن الفكر فيها، والتنبيه عليها، فإني لم أفحص عن هذه الأسرار، وخفي التعليل في الظواهر والإضمار، إلا قصداً للتفكر والاعتبار، في حكمة من خلق الإنسان وعلمه البيان، فإنه الخالق للعبارات، والمقدر للطائف والإشارات (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) ، (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) ، فمتى لاح لك من هذه الأسرار سر، وكشف لك عن مكنونها فكر، فاشكر الواهب للنعمى، (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (١١٤) .

* * *

مسألة

(في المبهمات)

قوله: " والمبهم نحو: هذا وهذان ".

تسميتهم هذه الأسماء المبهمة، مأخوذة من " أبهمت الباب "، إذا أغلقته.

و" استبهم عليَّ الجواب "، أي: استغلق.

وكذلك هذه الأسماء إنما وضعت في الأصل لما استبهم على المتكلم اسمه، أو أراد هو إبهامه على بعض المخاطبين دون بعض، فاكتفى بالإشارة إليه، أو كانت الإشارة إليه أبين من اسمه عند المخاطب.

وإذا ثبث ما قلناه فالاسم في هذا الباب هو الذال واحدها دون الألف

خلافاً لبعض البصريين، يدل على ذلك سقوطها بالتثنية وفي المؤنث إذا قلت: هذه، وتلك.

وخصت الذال بهذا المعنى لأنها من طرف اللسان، والاسم المبهم مشارٌ

إليه، فالمتكلم يشير نحوه بلحظه أو بيده، ويشير مع ذلك بلسانه، لأن الجوارحَ خَدَمُ القلب، فإذا ذهب القلب إلى الشيء ذهاباً معقولا ذهب الجوارح نحو ذلك الشيء ذهاباً محسوسا.

والعمدة في الإشارة في هذا الموطن على اللسان، ولا يمكن إشارة اللسان إلا

بحرف يكون مخرجه من عذبة اللسان، التي هي آلة الإشارة دون سائر أجزائه، فليس إلا الذال أو الثاء، فأما الثاء فمهموسة رخوة، فالمجهور أو الشديد من الحروف أولى منها للبيان، والذال مجهورة فخصه بالإشارة إلى المذكر، وخصت التاء بالإشارة إلى

<<  <   >  >>