للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنما قوي عندنا هذا القول الثاني لوجوه، منها: امتناع تقديم النعت على

المنعوت، ولو كان الفعل عاملاً فيه لما امتنع أن يليه معموله، كما يليه المفعول تارة والفاعل أخرى، وكما يليه الحال والظرف، ولا يصح أن يليه ما عمل فيه غيره.

لو قلت: قام زيداً ضارب، (تريد: ضارب زيداً) ، أو: ضربت عمراً رجلًا

ضارباً، تريد: ضربت رجلًا ضارباً عمراً لم يجز.

فلا يلي العامل إلا ما عمل فيه، فلذلك لا يلي " كان " إلا ما علمت فيه.

وكذلك خبر إن المرفوع ليس بمعمول لإن، وإنما هو على أصله في باب

المبتدأ، ولولا ذلك لجاز أن يليها، وإنما وليها إذا كان مجروراً، لأنها ممنوعة من العمل فيه بدخول حرف الجر، مع أن المجرور رتبته التأخير، فلم يبالوا بتقديمه في اللفظ إذ كان موضعه التأخير، ولأن المجرور ليس هو بخبر على الحقيقة، وإنما هو متعلق بالخبر، والخبر منوي في موضعه، أعني بعد الاسم المنصوب (بإن) .

فإن قيل: ولعل امتناع النعت من التقديم على المنعوت إنما هو من أجل

الضمير الذي فيه والضمير حقه أن يترتب بعد الاسم الظاهر؟

قلنا: هذا ليس بمانع، لأن خبر المبتدأ حامل للضمير، ويجوز تقديمه، ورب

مضمر يجوز تقديمه على الظاهر إذا كان موضعه التأخير.

فإن قيل: ولعل امتناع تقديم النعت إنما وجب من أجل أنه تبيين للمنعوت

وتكملة لفائدته، فصار كالصلة من الموصول؟

قلنا: هذا باطل، لأن الاسم المنعوت يستقل به الكلام ولا يفتقر إلى نعته

افتقار الموصول إلى صلته ومما يبين لك أن الفعل العامل في الاسم لا يعمل في

نعته، أن النعت صفة لمنعوت لازمة له قبل وجود الفعل وبعده، فلا تأثير للفعل فيه، ولا تسلط له عليه، وإنما التأثير فيه للاسم المنعوت، إذ بسببه يرتفع وينتصب وينخفض، وإن لم يجز أن تكون الأسماء عوامل في الحقيقة.

وهذا بخلاف الحال، لأن الحال - وإن كان صفة كالنعت، وفيها ضمير يعود

على الاسم كالنعت وضاحكا إذا كان حالاً من زيد، هو زيد في المعنى، كما يكون إذا كان نعتا كذلك - لكن الحال ليست بصفة لازمة للاسم كالنعت، وإنما هي صفة

<<  <   >  >>