للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا كان الأمر كذلك بعد كل (البعد) أن تقول: جاءني محمد وأبو عبد الله.

وهو هو، أو: " رضي الله عن عتيق وأبي بكر " (وقد علم أن أبا بكر هو عتيق، لأنك عطفت الشيء على نفسه، و " الواو " إنما تجمع بين الشيئين لا بين الشيء الواحد، فإن كان في الاسم الثاني فائدة زائدة على معنى الاسم الأول، كنت مخيراً بين العطف وتركه، فإن عطفت فمن حيث قصدت تعداد الصفات، وهي متغايرة، وإن لم تعطف فمن حيث كان في كل واحد منها ضمير هو الأول، فتقول في الوجه الأول: زيد شاعر وكاتب، وعلى الثاني: شاعر كاتب.

كأنك عطفت بالواو الكتابة على الشعر، وحين لم تعطف أتبعت الثاني الأول، لأنه هو، من حيث اتحد الحامل للصفات.

فأما في كتاب الله - تعالى - فقلما تجد أسماءه الحسنى معطوفة بالواو، نحو:

(الرحمن الرحيم) و (العزيز الحكيم) و (الملك القدوس) ، إلى آخرها.

لأنها أسماء له - سبحانه -، والمسمى بها واحد، فلم تجر مجرى تعداد الصفات المتغايرة ولكن مجرى الأسماء المترادفة، نحو: الأسد والليث، وغير ذلك.

فأما فوله سبحانه: (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ) ، فلأنها ألفاظ

متضادة المعاني في أصل موضوعها، فكان دخول " الواو " صرفاً لوهم المخاطب - قبل التفكر والنظر - وعن توهم المحال، واجتماع الأضداد من المحال، لأن الشيء لا يكون ظاهراً باطناً من وجه واحد، وإنما يكون ذلك من وجهين مختلفين، فكان العطف ههنا أحسن من تركه، لهذه الحكمة الظاهرة، بخلاف ما تقدم مما لا يستحيل اجتماعه من الصفات في محل واحد.

وأما قوله سبحانه وتعالى:

(غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ)

فإنما حسن العطف بين الاسمين الأولين لكونهما من صفات الأفعال.

وفعله - سبحانه - في غيره لا في نفسه، فدخل حرف العطف للمغايرة الصحيحة بين المعنيين، ولتنزلهما منزلة الجملتين، لأنه - سبحانه - يريد تنبيه العباد على أنه يفعل

<<  <   >  >>