للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخفيفة والسين المهموسة، فكان (تقديم) الأثقل أولى بأول الكلام من الأخف

لنشاط المتكلم وجماحه.

وأما في القرآن فلحكمة أخرى سوى هذه قدم الجن على الإنس في الأكثر

والأغلب.

وسنشير إليها في آخر الفصل، إن شاء الله تعالى.

وأما ما تقدم بتقدم الزمان فكـ (عاد وثمود) ، و (الظلمات والنور) .

فإن الظلمة سابقة للنور في المحسوس والمعقول، وتقدمها في المحسوس معلوم بالخبر المنقول، وتقدم الظلمة المعقولة معلوم بضرورة العقل.

قال سبحانه وتعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ) .

وانتفاء العلم ظلمة معقولة، وهي متقدمة بالزمان على نور الإدراكات، ولذلك قال سبحانه ونعالى: (فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ) ، فهي ثلاث محسوسات: ظلمة الرحم، وظلمة البطن، وظلمة المشيمة، وثلاث معقولات

وهي: عدم الإدراكات الثلاثة المذكورة في الآية المتقدمة، إذ لكل آية ظهر وبطن، ولكل حرف حد، ولكل حد مطلع، قال علي رضي الله عنه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

" إن الله خلق عباده في ظلمة، ثم ألقى عليهم من نوره ".

ومن المتقدم بالطبع نحو: (مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) ، ونحوه: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ) الآية.

وما يتقدم من الأعداد بعضها على بعض إنما يتقدم بالطبع كتقدم الحيوان على الإنسان، والجسم على الحيوان.

ومن هذا الباب تقدم العزيز على الحكيم، لأنه عزَّ فلما عزَّ حكم.

وربما كان هذا من تقدم السبب على المسبب، ومثله كثير في القرآن

والكلام، نحو قوله: (يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) ، لأن التوبة سبب

<<  <   >  >>