للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والرحمة غنيمة، والسلامة مطلوبة قبل الغنيمة، ألا ترى لقوله عليه السلام لعمرو بن العاص - رضي الله عنه -:

" أبعثُك وجهاً يسلمك الله تعالى ويغنمك، وأرغب لك

رغبة من المال ".

فهذا من الترتيب البديع، بدأ بالسلامة قبل الغنيمة، وبالغنيمة

قبل الكسب، والعطية الأولى من التقدم بالطبع، والثانية من التقدم بالسبب.

وأما قوله: (وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) في (سبأ) ، فالرحمة هناك متقدمة على

المغفرة، إما بالفضل والكمال، وإما بالطبع، لأنها منتظمة بذكر أوصاف الخلق من المكلفين وغيرهم من الحيوان، فالرحمة تشمهلم والمغفرة تخصهم، والعموم بالطبع قبل الخصوص كقوله تعالى: (فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) .

وكقوله تعالى: (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ) .

افتتح بالعموم، الذي هو متقدم بالطبع على الخصوص.

ومما قدم للفضل قوله: (اسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) ، لأن السجود

أفضل، قال عليه السلام:

" أقرب ما يكون العبد إلى الله إذا كان ساجداً ".

فإن قيل: فالركوع قبل السجود بالزمان والطبع والعادة لأنه انتقال من علو إلى انخفاض والعلو بالطبع قبل الانخفاض فهلا قدم في الذكر على السجود لهاتين العلتين؟

فالجواب أن يقال لهذا السائل: انتبه لمعنى هذه الآية من قوله:

(ارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) ، ولم يقل: اسجدي مع الساجدين، فإنما عبر بالسجود عن الصلاة كلها، وأراد صلاتها في بيتها، لأن صلاة المرأة في بيتها أفضل لها من صلاتها مع قومها.

ثم قال لها: (ارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) ، أي: صلي مع المصلين في بيت

المقدس، ولم يرد أيضاً الركوع وحده دون سائر أجزاء الصلاة، ولكنه عبر بالركوع

<<  <   >  >>