للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه علة امتناع الجمع فيه، لأنك لو جمعنه كان جمعاً لواحد من لفظه، ولا

يؤكده معنى الجمع إلا بجمع لا ينحل إلى الواحد.

وسنبين بعد هذا أن " أجمعين " و " أكتعين " لا واحد له من " لفظه، وإن شئت

قلت: إن أجمع فيه معنى " كل "، و " كل " لا يثنى ولا يجمع، إنما يثنى الضمير الذي يضاف إليه كل.

وأما قولهم في تأنيثه: جمعاء ولم يقولوا: جمعى،، كما يقولون في تأنيث

" الأكبر " الكبرى، " والأصغر ": الصغرى، إذا كان فيه الألف واللام، أو كان مضافاً فلأنه أقرب إلى باب " أحمر " و " حمراء " منه إلى باب " الأفعل "

و" الفعلى "، لأنه لا يدخله الألف واللام.

ولا يضاف إضافة مصرحاً بها في اللفظ، فكان أقرب إلى باب " أفعل، الذي

مؤنثه " فعلاء "، وإن كان قد يخالف أيضاً من وجوه، ولكنه أشبه به.

فإن قيل: كيف قلتم إنه لا يجمع، وأنتم تقولون: جاء الزيدون أجمعون، وهل " أجمعون " إلا كقولك " الأكرمون " جمع أكرم؟

وقلتم: إنه أقرب إلى باب " أحمر وحمراء " والعرب لا تقول: الأحمرون والأصفرون، وإنما تقول: الحمر والصفر؟

والجواب: ما تقدم من أن (أجمعين) ليس جمعاً لأجمع، ولا له واحد من

لفظه، وإنما هو بمنزلة قولك: الياسمين، وبمنزلة قولك: أبَينُون تصغير أبناء.

فهذا جمع مسلم وليس له واحد من لفظه.

ولو كان واحد " أجمعين " أجمع، لما قالوا في مؤنثه جمع، لأن " فعل " - بفتح

العين - لا يكون واحده فعلاً، وجمعاء التي هي مؤنث أجمع ولو جمعت لقيل:

جمعاوات أو " جمع " - على وزن حُمْر - وأما فعل فإنما هو جمع لفعلي، بضم الفاء.

وإنما جاء أجمعون بناء على " الأكرمون " و " الأرذلون "، لأنه طرفاً من معنى التفضيل كما في الأكرمين والأرذلين، وذلك أن الجموع تختلف مقاديرها فإذا كثر العدد احتيج إلى كثرة التوكيد، حرصاً على التحقيق ورفع المجاز، فإذا قلت: جاء القوم كلهم، وكان العدد كثيراً، توهم أنه قد شذ منهم البعض فاحتيج إلى توكيد أبلغ من الأول، وهو أجمعون وأكتعون، فمن حيث كان أبلغ من التوكيد الذي قبله، دخله

<<  <   >  >>