للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك الكفار لو كانت اليد عندهم لا تعقل إلا في الجارحة لتعلقوا بها في

دعوى التناقض واحتجوا بها على الرسول، ولقالوا: زعمت أنه ليس كمثله شيء ثم تخبر أن له يداً كأيدينا، وعينا كأعيننا؟

ولما لم ينقل ذلك عن مؤمن ولا كافر علم أن الأمر كان فيها عندهم جلياً لا خفياً، وأنها صفة سميت الجارحة بها مجازاً، ثم

استمر المجاز فيها حتى نسيت الحقيقة. ورب مجاز كثر واستعمل حتى نسي أصله وتركته حقيقته.

والذي يلوح في معنى هذه الصفة أنها قريب من معنى القدرة، إلا أنها أخص

منها معنى، والقدرة أعم، كالمحبة مع الإرادة والمشيئة، فكل شيء أحبه الله فقد أراده، وليس كل شيء أراده أحبه، وكذلك كل شيء حادث فهو واقع بالقدرة وليس كل واقع بالقدرة واقعاً باليد، (فاليد) أخص معنى من القدرة، ولذلك كان فيها تشريف لآدم عليه السلام.

ومن فوائد هذه المسألة أن يسأل عن المعنى الذي من أجله قال:

(وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) بحرف " على ".

وقال في موضع آخر: (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا) .

وكذلك: (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا) .

والفرق بين الموضعين أن الآية الأولى وردت في إظهار أمر كان خفياً وإبداء ما

كان مكتوبا، فإن الأطفال إذ ذاك كانوا يغذون ويصنعون سراً، فلما أراد الله أن يصنع موسى ويغذي ويربي على حال أمن وظهور أمر، لا تحت خوف واستسرار، دخلت " على " في اللفظ تنبيها على المعنى، لأنها تعطى معنى الاستعلاء، والاستعلاء ظهور وابتداء، فكأنه يقول سبحانه:

ولتصنع على أمن لا تحت خوف، وذكر (العين) لتضمنها معنى الرعاية والكلاءة.

وأما قوله تعالى: (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا) ، فإنه إنما يريد: برعاية منا وحفظ، ولا يريد إبداء شيء ولا إظهاره بعد كتم، فلم يحتج في الكلام إلى معنى على بخلاف ما تقدم.

وأما (النفس) فعلى أصل موضوعها، إنما هي عبارة عن حقيقة الموجود دون

<<  <   >  >>