للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأنها دخلت لمعانٍ في الجملة فليس أحد الاسمين أولى بأن يعمل فيه من الآخر.

قال الراجز:

إنَّ العجوزَ خَبَّةً جَرُوزا ... تأكلُ كلَّ ليلةٍ قَفيزا

واعلم أن معاني هذه الحروف لا تعمل في حال ولا ظرف، ولا يتعلق بها

مجرور، لأنها في نفس المتكلم كالاستفهام والنفي وسائر المعاني التي جعلت

الحروف أمارات لها وليس لها وجود في اللفظ، فإذا قلت: هل زيد فائم؟ فمعناه: استفهم عن هذا الحديث.

وكذلك " لا " معناها أن الحديث نفي، وكذلك " ليس معناها

انتفاء الحديث. وكذلك حين أرادوا إظهار تشبثها بالجملة لم ينصبوا بها الاسم

الأول، كما نصبوا بأن، حيث لم يكن معناها يقتضي نصباً إذا لفظ به، كما يقتضي معنى (إن) و (لعل) إذا لفظ به.

وأما (كأنَّ) فمفارقة لأخواتها من وجه، وهي أنها تدل على التشبيه، وهو معنى في نفس المتكلم واقع على الاسم الذي بعدها فكأنك تخبر عن الاسم بعدها أنه مشبه غيره، فصار معنى التشبيه مسنداً إلى الاسم بعدها، كما أن معاني الأفعال مسندة إلى الأسماء بعدها، فمن ثَمَّ عملت في الحال والظرف، تقول: " كأن زيداً يوم الجمعة أمير "، فيعمل التشبيه في القول، ومن ذلك قوله:

كأنَّه خارِجٌ من جَنْبِ صَفْحَتِهِ ... سَفُّوْدُ شَرْبٍ نَسُوْهُ عند مُفْتَأَدِ

ومن ثم وفعت في موضع الحال والنعت، كما تقع الأفعال المخبر بها عن

الأسماء، تقول: " مررت برجل كأنه أسد و: " جاءني رجل كأنه أمير "، وليس ذلك في أخواتها لا تكون في موضع نعت ولا في موضع حال، بل لها صدر الكلام كما لحروف الشرط والاستفهام لأنها داخلة لمعان في الجمل فانقطعت مما قبلها، وإنما

<<  <   >  >>