للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

" رمضان " وما كان مثله، لا يكون معرفة في مثل هذا الموطن، لأنه لم يرد العام بعينه، ألا ترى أن الآية في سورة البقرة، وهي من آخر ما نزل.

وقد كان القرآن أنزل قبل ذلك بسنين.

ولو قلت: " رمضان حج فيه زيد "، نريد فيما سلف، لقيل لك:

" أي رمضان كان؟ ".

ولزمك أن تقول: حج في رمضان من رمضانات، حتى تريد عاماً

بعينه، كما سبق.

وفائدة أخرى في ذكر " الشهر "، وهو التبيين في الأيام المعدودات، لأن الأيام

لتبين بالأيام وبالشهر ونحوه، ولا تتبين بلفظ " رمضان "، لأنه لفظ مأخوذ من مادة أخرى، وهو أيضاً علم فلا ينبغي أن تبين به الأيام المعدودات، حتى يذكر الشهر الذي هو في معناها ثم تضاف إليه.

وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -

" من صام رمضان "، ففي حذف الشهر وترك ذكره فائدة

(أيضاً) ، وهو تناول الصيام لجميع الشهر، فلو قال:

" من صام شهر رمضان "، لصار ظرفاً مقدراً بـ في ولم يتناول الصيام جميعه. فرمضان في هذا الحديث مفعول على السعة، مثل قوله تعالى: (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا) ، لأنه لو كان ظرفاً لم يحتج الى

قوله: (إِلَّا قَلِيلًا) .

فإن قيل: فينبغي أن يكون قوله: من صام رمضان مقصوراً على العام الذي هو فيه، لما تقدم من قولكم: إنه إنما يكون معرفة علماً إذا أردته لعامك أو لعام بعينه؟.

قلنا: قوله: " من صام رمضان " على العموم، خطاب لكل قرن ولأهل كل

عام، فصار بمنزلة قولك: " من صام كل عام رمضان غفر له "، كما تقول: " إن جئتني كل يوم سحراً أعطيتك "، فقد اقترنت به قرينة تدل على التمادي وتنوب مناب ذكر كل عام.

وقد اتضح الفرق بين الحديث والآية.

فإذا فهمت فرق ما بينهما بعد تأمل هذه الفصول وتدبرها، ثم لم تعدل عندك

<<  <   >  >>