للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَقد ورد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ أحضروا مَوْتَاكُم ولقنوهم لَا إِلَه إِلَّا الله وبشروهم بِالْجنَّةِ فَإِن الْحَلِيم من الرِّجَال يتحير عِنْد هَذَا المصرع وَإِن الشَّيْطَان أقرب مَا يكون من ابْن آدم عِنْد ذَلِك المصرع وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لمعاينة ملك الْمَوْت أَشد من ألف ضَرْبَة بِالسَّيْفِ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا تخرج نفس عبد من الدُّنْيَا حَتَّى يتألم كل عُضْو مِنْهُ على حياله وَلَا يَقُول أحد من الْحَاضِرين إِلَّا خيرا فَإِن الْمَلَائِكَة يُؤمنُونَ على مَا يَقُولُونَ

وَورد فِي الْخَبَر أَنه إِذا دنت منية الْمُؤمن نزل عَلَيْهِ أَرْبَعَة أَمْلَاك ملك يجذب النَّفس من قدمه الْيُمْنَى وَملك يجذبها من قدمه الْيُسْرَى وَملك يجذبها من يَده الْيُمْنَى وَملك يجذبها من يَده الْيُسْرَى وَالنَّفس تنسل انسلال القذاة من السقاء وهم يجذبونها من أَطْرَاف البنان ورؤوس الْأَصَابِع وَالْكَافِر تنسل روحه كالسفود من الصُّوف المبتل

فَإِذا مَاتَ المحتضر غمض وَيَقُول الَّذِي يغمضه بِسم الله وعَلى مِلَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ وارحمه وارفع دَرَجَته فِي المهديين واخلفه فِي عقبه الغابرين واغفر لنا وَله يَا رب الْعَالمين وافسح لَهُ فِي قَبره وَنور لَهُ فِيهِ

ويشد لحياه بِشَيْء لِئَلَّا ينفتح فَمه وتلين مفاصله فَيرد ساعده إِلَى عضده وَسَاقه إِلَى فَخذه وَفَخذه إِلَى بَطْنه ثمَّ تمد وتلين أَصَابِعه كَذَلِك لأجل تسهيل غسله وتكفينه فَإِن فِي الْبدن عقب مُفَارقَة الرّوح حرارة فَإِذا لينت المفاصل حِينَئِذٍ لانت وَإِلَّا فَلَا يُمكن تليينها بعد وتنزع ثِيَابه الَّتِي مَاتَ فِيهَا لِأَنَّهَا تسرع إِلَيْهِ الْفساد ثمَّ يغطى بِشَيْء خَفِيف يَجْعَل طرفاه تَحت رَأسه وَرجلَيْهِ لِئَلَّا ينْكَشف وَيُوجه للْقبْلَة مثل المحتضر ويتولى فعل ذَلِك من يكون لَهُ بِهِ رفق ويعجل بِقَضَاء دينه إِن أمكن وَإِلَّا سَأَلَ وَارثه غرماءه أَن يحللوه أَو يحتالوا بِهِ على الْوَارِث إِكْرَاما للْمَيت وتعجيلا لبراءة ذمَّته ويبادر أَيْضا بتنفيذ وَصيته وبتجهيزه بعد تَيَقّن مَوته بِظُهُور شَيْء من عَلَامَات الْمَوْت كاسترخاء قدمه وميل أَنفه وانخساف صُدْغه فَإِن شكّ فِي مَوته وَجب تَأْخِيره إِلَى الْيَقِين بِتَغَيُّر الرَّائِحَة أَو غَيره

وَاعْلَم أَن الْمُؤمن ينْكَشف لَهُ عقب الْمَوْت من إنعام الله مَا تكون الدُّنْيَا بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ كالسجن والمضيق وَيكون مِثَاله كالمحبوس فِي بَيت مظلم فتح لَهُ بَاب إِلَى بُسْتَان وَاسع الأكناف فِيهِ أَنْوَاع الْأَشْجَار والأزهار وَالثِّمَار والطيور فَلَا يَشْتَهِي الْعود إِلَى السجْن المظلم وَقد ضرب لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثلا فَقَالَ فِي رجل قد مَاتَ أصبح هَذَا مرتحلا عَن الدُّنْيَا وَتركهَا لأَهْلهَا فَإِن كَانَ قد رَضِي فَلَا يسره أَن يرجع إِلَى الدُّنْيَا كَمَا لَا يسر أحدكُم أَن يرجع إِلَى بطن أمه وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن مثل الْمُؤمن فِي الدُّنْيَا كَمثل الْجَنِين فِي بطن أمه إِذا خرج من بَطنهَا بَكَى على مخرجه حَتَّى إِذا رأى الضَّوْء لم يحب أَن يرجع إِلَى مَكَانَهُ وَكَذَلِكَ الْمُؤمن يجزع عِنْد الْمَوْت فَإِذا أفْضى إِلَى ربه لم يحب أَن يرجع إِلَى الدُّنْيَا كَمَا لَا يحب الْجَنِين أَن يرجع إِلَى بطن أمه

هَذَا فِي الْمُؤمن المعرض عَن الدُّنْيَا الْمقبل على الْآخِرَة وَأما المتنعم بالدنيا المطمئن إِلَيْهَا المعرض عَن الْآخِرَة فَيكون حَاله كَحال من تنعم فِي غيبَة ملك من الْمُلُوك فِي دَاره وَملكه وحريمه اعْتِمَادًا على أَن الْملك

<<  <   >  >>