للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَرَادَ بِذَلِكَ جُمْلَتَهَا مِنَ الزِّيَادَةِ وَالْمَزِيدُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مِنْهَا بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ يَبْطُلُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ بِخِلَافِهِ، لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ فِي مِائَةٍ وَسِتِّينَ حِقَّتَانِ وَبِنْتُ لَبُونٍ، فَالْحِقَّتَانِ فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، وَبِنْتُ اللَّبُونِ فِي الْأَرْبَعِينَ الزَّائِدَةِ، وَفِي الْمِائَةِ وَسَبْعِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ، وَهَذَا قَوْلٌ قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى خِلَافِهِ، فَكَانَ التَّأْوِيلُ الْمُؤَدِّي إِلَيْهِ بَاطِلًا بِالْإِجْمَاعِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَإِذَا زَادَتْ " شَرْطٌ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ " حُكْمٌ وَالْحُكْمُ رَاجِعٌ إِلَى الْجُمْلَةِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَلَيْسَ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِبَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ رِوَايَةُ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ وَسُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " فَإِذَا زَادَتِ الْإِبِلُ عَلَى الْمِائَةِ وَعِشْرِينَ وَاحِدَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ " فَكَانَ هَذَا نَصًّا يُبْطِلُ كُلَّ تَأْوِيلٍ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ، هُوَ أَنَّ الشَّاةَ أَحَدُ طَرَفَيِ الْإِيجَابِ فِي الْإِبِلِ قَبْلَ الْمِائَةِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَكُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ كَالْجَذَعَةِ، وَلِأَنَّ بِنْتَ مَخَاضٍ سِنٌّ لَا يَتَكَرَّرُ قَبْلَ المائة فوجب أن لا يعود بعد المائة كالجذعة، فثبت بهذين القياسين انتفاء وجوب الشاة وبنت المخاض بعد المائة، ثم نقول بابتداء لما ذكرنا، ولأنها نصب مختلفة الترتيب فِي اسْتِفْتَاحِ الْفَرِيضَةِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَعُودَ تَرْتِيبُهَا الْأَوَّلُ فِيمَا بَعْدُ كَالْغَنَمِ، وَلِأَنَّا وَجَدْنَا النُّصُبَ الَّتِي قَبْلَ الْمِائَةِ أَقْرَبَ إِلَى فَرْضِ الْغَنَمِ مِنَ النُّصُبِ الَّتِي بَعْدَ الْمِائَةِ، فَلَمَّا لَمْ تَعُدِ الشَّاةُ إِلَى النُّصُبِ الَّتِي هِيَ أقرب إليها، فالتي لَا تَعُودَ إِلَى النُّصُبِ الَّتِي هِيَ أَبْعَدُ منها أولى، فأما الجواب على ما اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنَ الْخَبَرِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: تَرْجِيحٌ.

وَالثَّانِي: اسْتِعْمَالٌ، فَأَمَّا التَّرْجِيحُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَا رَوَيْنَا مِنَ الْأَخْبَارِ، فَمِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ مَا رَوَيْنَاهُ أَصَحُّ إِسْنَادًا، وَأَوْثَقُ رِجَالًا.

وَالثَّانِي: أَنَّ بِهِ عَمِلَ الْإِمَامَانِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ خبرنا متفق على اسْتِعْمَالِ بَعْضِهِ، فَالْمُتَّفَقُ عَلَى مَا اسْتُعْمِلَ مِنْهُ فيما دون المائة والعشرين، والمختلف منه فيما زاد على ذلك، وغيرهم مُتَّفَقٌ عَلَى تَرْكِ بَعْضِهِ، مُخْتَلَفٌ فِي اسْتِعْمَالِ بَعْضِهِ، فَمَا اتُّفِقَ عَلَى تَرْكِهِ مِنْهُ: إِيجَابُ خَمْسِ شِيَاهٍ، وَمَا اخْتُلِفَ فِي اسْتِعْمَالِهِ مِنْهُ فما زاد على المائة وعشرين.

<<  <  ج: ص:  >  >>