للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَمْوَالُ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَضْرُبٍ: مَالٌ نَامٍ بِنَفْسِهِ، وَمَالٌ مُرْصَدٌ لِلنَّمَاءِ، وَمَالٌ غَيْرُ نَامٍ بِنَفْسِهِ، فَأَمَّا النَّامِي بِنَفْسِهِ، فَمِثْلُ الْمَوَاشِي وَالْمَعَادِنِ وَالزَّرْعِ وَالثِّمَارِ، وَأَمَّا الْمُرْصَدُ لِلنَّمَاءِ وَالْمُعَدُّ لَهُ فَمِثْلُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَعُرُوضِ التِّجَارَاتِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْمَالَيْنِ: أَنَّ النَّمَاءَ فِيمَا هُوَ نَامٍ بِنَفْسِهِ تَابِعٌ لِلْمِلْكِ لَا لِلْعَمَلِ، وَالنَّمَاءَ فِيمَا كَانَ مرصد النماء تَابِعٌ لِلْعَمَلِ وَالتَّقَلُّبِ لَا لِلْمِلْكِ، أَلَا تَرَى: أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ مَاشِيَةً فَنَتَجَتْ أَوْ نَخْلًا فَأَثْمَرَتْ كَانَ النِّتَاجُ وَالثَّمَرَةُ لِرَبِّ الْمَاشِيَةِ، وَالنَّخْلِ دُونَ الْغَاصِبِ، وَلَوْ غَصَبَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فنمت بالتقلب والتجارة كان النماء الزايد لِلْغَاصِبِ دُونَ رَبِّ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَأَمَّا الَّذِي ليس بنام في نفسه ولا مرصداً لِلنَّمَاءِ، فَهُوَ كُلُّ مَالٍ كَانَ مُعَدًّا لِلْقِنْيَةِ، كَالْعَبْدِ الْمُعَدِّ لِلْخِدْمَةِ، وَالدَّابَّةِ الْمُعَدَّةِ لِلرُّكُوبِ، وَالثَّوْبِ الْمُعَدِّ لِلُّبْسِ، فَأَمَّا مَا لَا يُرْصَدُ لِلنَّمَاءِ، وَلَا هُوَ نَامٍ فِي نَفْسِهِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ إِجْمَاعًا، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صدقة " فنص عليها تَنْبِيهًا عَلَى مَا كَانَ فِي مَعْنَى حُكْمِهَا، وَأَمَّا الْمَالُ النَّامِي بِنَفْسِهِ، فَيَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ يَتَكَامَلُ نَمَاؤُهُ بِوُجُودِهِ، وَقِسْمٌ لَا يَتَكَامَلُ نَمَاؤُهُ إِلَّا بِمُضِيِّ مُدَّةٍ بَعْدَ وُجُودِهِ، فَأَمَّا مَا يَتَكَامَلُ نَمَاؤُهُ بِوُجُودِهِ فَمِثْلُ الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ، فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَوْلُ إِجْمَاعًا، وَعَلَيْهِ أَدَاءُ زَكَاتِهِ بعد حصاد زرعة، ودياسه، وجداد ثمرته، وجفافها، والتزام المؤن فيها، وما لا يتكامل نماؤه إلا بمضي مدة بعد وجوده، فمثل المواشي والحكم فِيهَا وَفِيمَا أُرْصِدَ لِلنَّمَاءِ مِثْلُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَعُرُوضِ التِّجَارَاتِ وَاحِدٌ لَا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَكَافَّةِ التَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ.

وَقَالَ عَبْدُ الله بن عباس: إذا استفاد مالاً بهبة، أو بميراث أَوْ بِالْعَطَاءِ لَزِمَتْهُ زَكَاتُهُ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ يُعْتَبَرُ.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يُزَكِّي الْعَطَاءَ وَحْدَهُ دُونَ غَيْرِهِ، قَالَا، لِأَنَّ نَمَاءَ ذَلِكَ مُتَكَامِلٌ بِوُجُودِهِ فَلَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى حَوْلٍ كَالرِّكَازِ وَغَيْرِهِ.

وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِمَا رِوَايَةُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " لا زكاة على مالٍ حتى يحول عَلَيْهِ الْحَوْلُ ".

وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَيْسَ فِي الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>