للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ كَانَ تَلَفُ الْمَالِ قَبْلَ الْحَوْلِ، فَحُكْمُ التألف منه حكم ما لا يُوجَدْ، فَإِنْ تَلِفَ جَمِيعُ الْمَالِ فَلَا زَكَاةَ، وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُهُ اعْتُبِرَ حُكْمُ بَاقِيهِ إِذَا حال حوله، فإذا بَلَغَ نِصَابًا زَكَّاهُ، وَإِنْ نَقَصَ عَنْ نِصَابٍ فَلَا زَكَاةَ، فَهَذَا حُكْمُ التَّالِفِ قَبْلَ الْحَوْلِ.

وَأَمَّا التَّالِفُ بَعْدَ الْحَوْلِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتْلَفَ بَعْدَ الْحَوْلِ وَبَعْدَ إِمْكَانِ الْأَدَاءِ، فَهَذَا الزَّكَاةُ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ، سَوَاءٌ تَلِفَ بَعْضُ المال أو جميعه، سَوَاءٌ قِيلَ إِنَّ الْإِمْكَانَ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ أَوْ مِنْ شَرَائِطِ الضَّمَانِ، لِأَنَّهُ بِإِمْكَانِ الْأَدَاءِ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ إِخْرَاجُهَا وَحَرُمَ عَلَيْهِ إِمْسَاكُهَا، وصار بعد الأمانة ضامناً ك " الوديعة " الَّتِي يَجِبُ رَدُّهَا فَيَضْمَنُهَا الْمُودَعُ بِحَبْسِهَا.

وَقَالَ أبو حنيفة: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ إِخْرَاجَهَا عِنْدَهُ عَلَى التَّرَاخِي لَا عَلَى الْفَوْرِ، فَيُخْرِجُهَا مَتَى شَاءَ وَهَذَا غَلَطٌ، بَلْ إِخْرَاجُهَا عَلَى الْفَوْرِ، لِأَنَّ مَا وَجَبَ إِخْرَاجُهُ وَأَمْكَنَ أَدَاؤُهُ لَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُهُ، كَالْوَدَائِعِ وَسَائِرِ الْأَمَانَاتِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ التَّلَفُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ إمكان الأداء، فذلك ضربان:

أحدهما: إن تلف جَمِيعُ الْمَالِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا لَا يَخْتَلِفُ، سَوَاءٌ قِيلَ إِنَّ الْإِمْكَانَ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ أَوْ مِنْ شَرَائِطِ الضَّمَانِ، لِأَنَّا إِنْ قُلْنَا إِنَّ إِمْكَانَ الْأَدَاءِ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ فَقَبْلَ الْإِمْكَانِ لَمْ تَجِبِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ الْإِمْكَانَ مِنْ شَرَائِطِ الضَّمَانِ فَقَدْ وَجَبَتِ الزَّكَاةُ بِالْحَوْلِ غَيْرَ أَنَّهَا فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ لِلْمَسَاكِينِ لَا يَضْمَنُهَا إِلَّا بِالْإِمْكَانِ، وإن كَانَتْ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُهَا بالتلف ك " الوديعة ".

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَتْلَفَ بَعْضُ الْمَالِ وَيَبْقَى بعضه، فعند ذلك يتضح تبيين القولين في كل وَاحِدٍ مِنَ الْأَصْلَيْنِ، وَسَنَذْكُرُ لِفُرُوعِهِمَا وَبَيَانِ تَأْثِيرِهِمَا فَصْلَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: فِي الْغَنَمِ.

وَالثَّانِي: فِي الْإِبِلِ لنبني عليهما جميع الفروع، فأما الفضل فِي الْغَنَمِ فَهُوَ: أَنْ يَكُونَ مَعَهُ ثَمَانُونَ شاة يحول عليها الحول ثم تتلف منها أربعون قبل إمكان الأداء وتبقى الأربعون، فَهَذَا تَرْتِيبٌ عَلَى الْأَصْلَيْنِ فِي إِمْكَانِ الْأَدَاءِ وعفو الأوقاص، وإن قلنا: إن إمكان الأداء مند شَرَائِطِ الْوُجُوبِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ كَامِلَةٌ لِوُجُودِ الْإِمْكَانِ وَهُوَ يَمْلِكُ أَرْبَعِينَ، وَمَا تَلِفَ قَبْلَ الْإِمْكَانِ كَمَا لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ الْإِمْكَانَ مِنْ شَرَائِطِ الضَّمَانِ، وَإِنَّ الْوُجُوبَ بِالْحَوْلِ انْبَنَى ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِهِ فِي الْوَقْصِ هَلْ لَهُ مَدْخَلٌ فِي الْوُجُوبِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قُلْنَا: لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْوُجُوبِ، وَإِنَّ الشَّاةَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْأَرْبَعِينَ وَالزِّيَادَةَ عَلَيْهَا عَفْوٌ فَعَلَيْهِ شَاةٌ أَيْضًا، لِأَنَّ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُوبُ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ، وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ الْوَقْصَ دَاخِلٌ فِي الْوُجُوبِ وَإِنَّ الشَّاةَ مأخوذة

<<  <  ج: ص:  >  >>