للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مسألة:]

قال الشافعي رضي الله عنه:

وإن كانت كلها معيبة لم يكلفه صحيحاً من غيرها ويأخذ جبر المعيب.

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا كَانَ جَمِيعُ مَالِهِ مَعِيبًا لَمْ يُكَلَّفْ زَكَاتَهَا صَحِيحًا سَلِيمًا، وَأُخِذَتْ زَكَاتُهَا مِنْهَا، وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ لَا تُؤْخَذُ إِلَّا الصَّحِيحَةُ عَنِ الْمِرَاضِ، وَالْكَبِيرَةُ عَنِ الصِّغَارِ، احْتِجَاجًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لا تأخذ هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عوارٍ " وَهَذَا غَلَطٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ " يَسِّرْ وَلَا تُعَسِّرْ، وَبَشِّرْ وَلَا تُنَفِّرْ، فَإِنْ أَطَاعُوكَ بِالصَّدَقَةِ فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ " وَلِرِوَايَةِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْغَاضِرِيِّ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ: " ثَلَاثٌ مَنْ عَمِلَهَا طَعِمَ طَعْمَ الْإِيمَانِ: مَنْ عَبَدَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، وأخرج زكاة ماله طيبة بها نفسه رافدة عليه كل عام ولم يخرج الدرنة ولا الشرط اللئيمة ولكن أخرج وَسَطَ الْمَالِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَسْلُبْكُمْ خيره، ولم يأمركم بشره " ولأن كل ما تُؤْخَذُ زَكَاتُهُ مِنْ جِنْسِهِ لَا يُكَلَّفُ إِخْرَاجَ زَكَاتِهِ مِنْ غَيْرِهِ، كَالْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ لَا يُكَلَّفُ مِنَ التَّمْرِ الرَّدِيءِ إِخْرَاجَ الْجَيِّدِ، فَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تَأْخُذْ هَرِمَةً وَلَا ذَاتَ عوارٍ " فَالْمُرَادُ بِهِ الْمَالُ السَّلِيمُ.

فَصْلٌ

: فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ زَكَاتَهَا صِحَاحًا مِنْ غَيْرِ مَالِهِ فقد قال الشافعي " يأخذ خير المعيب " واختلف أَصْحَابُنَا فِي مُرَادِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَجْرَى الْكَلَامَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَوْجَبَ أَخْذَ خَيْرِ الْمَعِيبِ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ، وَهَذَا غَلَطٌ، لِأَنَّهُ لَا يَطَّرِدُ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَرَادَ بذلك أخذ خير الفرضين وهي الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ وَلَمْ يُرِدْ خَيْرَ جَمِيعِ الْمَالِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَرَادَ بِخَيْرِ الْمَعِيبِ أَوْسَاطَهَا، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للنَّاس) {آل عمران: ١١٠) يَعْنِي: وَسَطًا، لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى: {كَذَلَكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) {البقرة: ١٤٣) وَمَنْ قَالَ بِهَذَا السهم فِي اعْتِبَارِ الْأَوْسَطِ وَجْهَانِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>